الثورة – محمود ديبو:
استعرض الخبير بمجال الطاقة الكهربائية المهندس علاء حيدر، المساعي والجهود المبذولة من قبل عدد من دول العالم للبحث عن مصادر طاقة حديثة لإحداث تنوع يضمن تحقيق الأمن الطاقي.
ولفت حيدر خلال محاضرة له في فرع دمشق لنقابة المهندسين إلى أن مصادر الطاقة التقليدية وأكثرها انتشاراً على مستوى العالم محطات التوليد الحرارية (منها ما يعمل بالغاز أو الفيول أو الفحم)، وهناك محطات الطاقة النووية، مبيناً أن الاستخدام المفرط لمحطات الطاقة الحرارية نتجت عنه آثار بيئية سيئة، وبالتالي أصبح من الضروري الوصول إلى محطات أكثر مناسبة للتخلص من الآثار البيئية السلبية.
ومنها محطات الطاقة الشمسية والريحية، وكذلك محطات الطاقة الحيوية وخلايا الوقود وطاقة الحرارة الجوفية، إضافة إلى المحطات النووية والهيدروليكية، ونجد هنا أن المحطات المائية هي من أنجح المحطات، وهي مصدر أساسي وستبقى.
خيارات مستقبلية
واعتبر حيدر أن التطلعات المستقبلية تتجه نحو الاستفادة الجديدة من الطاقة الشمسية أي بشكل مختلف عما هو عليه الأمر حالياً، وأيضاً السعي لاندماج الشركة الكبرى التي تعمل بالطاقة النووية لتحقيق نتائج أفضل، والاتجاه نحو طاقة الأمواج والتيارات المائية بشكل أفضل، مع العلم أن هناك محطات قائمة حالياً، لكن بشكل غير فعال، وطاقة الجذب والطفو، وصولاً إلى التكامل بين المصادر المختلفة للطاقة لتحقيق الأمن الطاقي للتأكيد على توفر الطاقة بشكل دائم في كل دول العالم.
اتفاقية (1.5 درجة سيلزيوس)
وقال حيدر: إن عمليات التطور والتنمية السابقة كان لها آثار كارثية بيئية (الاحترار الكروري، خسارة الغطاء النباتي، ضرر عالم الحيوان..)، واجتماعية وصحية واقتصادية وغيرها، وكان لابد من تغيير النهج المتبع دولياً لحفظ ما تبقى، وهذا نتج عنه اتفاقية (1.5 درجة سيلزيوس) وهي خطة ومعاهدة دولية تمت عام 2015 للحد من التأثيرات المناخية الناتجة عن الثورة الصناعية للتقنيات الحديثة وهي ذات مرحلتين، الأولى عدم تجاوز زيادة الاحترار الكروي عن 1.5 درجة سيلزيوس في عام 2030 عما كانت عليه الحرارة قبل الثورة الصناعية الكبرى أواخر القرن التاسع عشر (وقتها كانت زيادة الحرارة 1.1 درجة سيلزيوس)، وهذه الخطوة تتطلب تخفيض الانبعاثات الكربونية بمقدار 45 بالمئة عن مستووياتها في العام 2010.
والمرحلة الثانية تنص على الوصول إلى انبعاثات كربونية عام 2050 أقل بنسبة 70 بالمئة عن مستوياتها في العام 2010، وعندها تبدأ الكرة الأرضية بالتعافي والبدء بامتصاص الانبعاثات وغازات الدفيئة الموجودة حالياً في الغلاف الجوي وبالتالي تبدأ الحرارة بالانخفاض لمستوياتها السابقة.
معايير الاختيار
وفي ضوء هذا كيف يمكن اختيار المصدر الطاقي الأنسب لكل بلد وهل يوجد مصدر أفضل من الآخر، وللإجابة على هذا التساؤل حدد المهندس حيدر جملة معايير لتحديد طريق اتخاذ القرار، منها المصادر المتوفرة وكفاءة تلك المصادر وطبيعة المكان وقرب المصادر من الشبكة والمناطق السكنية والخدمات، والتأثير البيئي والمخاطر والجدوى الاقتصادية.
وقد أثبتت الدراسات أن الاعتماد على نظم الطاقة الشمسية لا يحقق الكفاءة المطلوبة وهناك دراسات تسعى لرفع كفاءة الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء، كذلك فإن طاقة الرياح تتطلب توفر أماكن مناسبة فيها سرعات رياح كافية، ومن النقاط السلبية هنا كبر حجم المراوح وتأثيرها السلبي على الحياة البرية، وارتفاع التكاليف لذلك تم التوجه نحو وضع العنفات الريحية في البحر.
وتساءل حيدر حول إن كان الحل في سوريا هو اعتماد الطاقة الشمسية والريحية ليقول: برأيي لا يمكن أن تكون هي الحل لأن المصدرين غير مستقرين ولا يمكن الاعتماد عليهما في ضمان توليد مستمر للطاقة، ومعظم الآراء التي تحدثت عن اعتماد الطاقة الشمسية أو الطاقة الريحية كبدائل في سوريا لا تستند إلى دراسات علمية موثقة ودقيقة، وإنما هي آراء عادية.
وطاقة المد والجزر تعتبر من الحلول الواعدة لكنها حتى الآن ليس لها جدوى، فلا يمكن استخدامها إلا لساعات محدودة خلال اليوم، كذلك طاقة الأمواج من الأفكار المطروحة لكن وجود تيارات مائية غير مستقرة في البحر يجعل من التوليد غير مستقر، وهناك تجربة تم خلالها وضع عوامات ضخمة بالبحر تعمل باصطدام الأمواج وتبين أنها مجدية بشكل جيد لكن لها تأثير سلبي على الحياة البحرية.
ورأى حيدر أن طاقة الحرارة الجوفية وهي من أنجح مصادر الطاقة، هي طاقة قديمة وهناك دول تستثمر بهذا المجال منذ أكثر من 100 سنة، (تشيلي، الولايات المتحدة فيها أكبر محطة حرارة جوفية استطاعتها 1590 ميغا واط، نيوزيلاند، تركيا)، وتعتمد على حفر آبار متعددة ويتم الاستفادة من الحرارة الجوفية حسب بنية الأرض وكلما تعمقنا باتجاه القشرة الأرضية تزداد الحرارة 20 درجة/ كم، وهي طاقة لا تتسبب بأي مشكلات وليس فيها انبعاثات غازية،وهي طاقة خضراء ومستقرة، ودول المنطقة عندنا تعتبر واعدة في هذا المجال لكن أهم سبب يعوق الاستثمار بطاقة الحرارة الجوفية هي الارتفاع الكبير لتكاليف الدراسة (في دراسة أجراها الاتحاد الأوربي وصلت إلى 3 مليارات يورو)، العمر الوسطي للمحطات يعتبر الأطول والاستثمار في هذا المجال مجدداً، وتعتبر سوريا منطقة واعدة بحسب الدراسات التي تم إجراؤها.
توصيات
وفي الختام أوصى المهندس حيدر بضرورة الاهتمام بكفاءة الطاقة (الصناعية والتجارية والمنزلية)، والاهتمام بالعزل الحراري، وتقييد استخدام الأحمال السيئة وطرح البدائل الأنسب، وهنا المدفأة الكهربائية وهي من الأجهزة ذات الأحمال السيئة والتي تستخدم بحكم العادة واستهلاكها عال جداً، ومن البدائل هنا الصفائح الكربونية وهي أكثر أماناً وأقل استهلاكاً للطاقة وأفضل وتعطي تدفئة أكثر، وهنا لا بد من التوعية بهذا المجال.
وإكمال شبكة الربط، وهذا أمر مهم جداً، فحالياً كل دول المنطقة (السعودية العراق الأردن مصر ودول مجلس التعاون الخليجي) هناك شبكة ربط معقدة فيما بينهم وباستطاعات ضخمة جداً وتتوسع، فمثلاً مصر والسعودية بينهم شبكة ربط كهربائي رغم أن البلدين لديهم توليد كبير، وهذا الأمر يرفع استقرار كل دول المنطقة، وتنويع مصادر الطاقة، وتشجيع التوليد للموزع على المستوى المتوسط والكبير، وهنا يجب شرح فوائد توليد الموزع وأهميته وضمان وضبط جودة جميع المشاريع الهندسية (خاصة مشاريع توليد الطاقة)، حيث شهدت للأسف السنوات السابقة حالة عشوائية في تنفيذ بعض المشاريع ولم يكن يتم الاعتماد على مهندسين متخصصين بمشاريع الطاقة، وهذا نتج عنه نظم سيئة وجدوى ضعيفة، ومن الضروري حصر التصميم والتنفيذ بذوي المؤهلات.