“السيباطات” في حمص.. هوية معمارية في تراثها المادي

الثورة – ابتسام الحسن:

 

تعد العمارة التقليدية في المدن السورية القديمة من أبرز الشواهد على تفاعل الإنسان مع بيئته، الطبيعية والاجتماعية، ومن بين العناصر المعمارية يبرز السيباط كمعلم معماري مميز يختصر في شكله البسيط أبعاداً ثقافية وحضارية عميقة.

في لقائه مع صحيفة الثورة أوضح رئيس دائرة الآثار في حمص المهندس حسام حاميش أن كلمة “السيباط” أو “الساباط” وظيفية حسب بعض المعاجم اللغوية، ويرى بعض اللغويين أنها مأخوذة من الفارسية ساية الظل أو الحماية، والسيباط تسقيف لجزء من زقاق أو شارع بكتلة معمارية لمبنى في مستوى الطابق الأول يرتكز على عقود حجرية أو أقبية مقنطرة بمستوى الطابق الأرضي، ويشكل ممراً مسقوفاً لربط مبنيين موجودين في شارع ضيق، حيث يكون السيباط محاولة لتوسيع الطابق العلوي من دون التأثير على الطريق العام.

ونوه بأن السيباط يؤدي عدة وظائف مختلفة تؤثر على نمط الحياة الاجتماعية في الحي المشاد عليه منها وظيفة مناخية توفير الظل، وتلطيف الجو، والحّد من أشعة الشمس صيفاً وحماية المارة من الأمطار شتاء، إضافة لوظيفة اجتماعية هي ربط البيوت والعائلات المتقابلة وتعزيز روح القربي والتواصل، إذ غالباً ما يكون السيباط وسيلة عملية لتوسيع المنزل من دون الحاجة إلى التخلي عن الشارع أو الممر.

وأوضح أنه تبرز الوظيفة الجمالية للسيباطات بتكوين إيقاع بصري جميل داخل الأزقة الضيقة ومنحها طابعاً عمرانياً مميزاً، مضيفاً: إن أغلب السيباطات في مدينة حمص وجدت بجانب دور العائلات الكبيرة وتتوزع في المدينة على أكثر من حيّ، ومن حسن ذوق المعماري الحمصي أن جعل السيباط المبني منسجماً، معمارياً وجمالياً مع الأبنية المحيطة به وبالتالي أصبح جزءاً من نسيج معماري متكامل بروح أصيلة واحدة يتناغم مع بقية عناصر البيت الحمصي القديم، مؤكداً أن مواد البناء للعمارة الحمصية مأخودة من مواد الطبيعة والبيئة التي تمتاز بها حمص، وهي حجر البازلت “الحجر الأزرق” الذي كان يجلب من منطقة الوعر.

وأشار المهندس حاميش إلى أن تاريخ بناء السيباطات يعود إلى الفترة العثمانية المتأخرة، حيث تكفل ببنائها الأسر ذات النفوذ الحكومي مثل المتصرف أو القائم مقام أو المفتي، وعددها حالياً “16” سيباطاً موزعة في المدينة منها لا يزال قائماً ومنها ما تعرض للهدم والتخريب نذكر منها سيباط القاضي في حي باب الدريب لا يزال قائماً وسيباط الجندي في حي الفاخوري- شارع أبو الهول – لا يزال قائماً ومن السيباطات القائمة أيضاً سيباط الحسيني في حي التركمان كما يوجد عدد من السيباطات المهدمة منها سيباط الترجمان في حي باب هود وسيباط البواب في باب تدمر، وسيباط الخانكان بالقرب من سوق البازرباشي إضافة لعدد من السيباطات الأخرى الموزعة على مختلف أحياء المدينة، ولا يزال بعضها قائماً في حين تعرض بعضها الآخر للهدم.

ولفت المهندس حاميش إلى أن السيباطات في حمص تعد جزءاً من الهوية المعمارية، كما أنها جزء من التراث المادي للمدينة، غير أن الكثير منها تعرّض للاندثار والضرر نتيجة عدة عوامل مختلفة كالحروب والقرارات التوسعية، داعياً المؤسسات المحلية والدولية إلى ضرورة توثيق هذه المعالم وإدراجها ضمن خطط الترميم والحفاظ على التراث باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة الجمعية للمدينة، فهي ليست مجرد عناصر معمارية ثانوية بل هي نتاج ثقافة عمرانية متكاملة عكست على مرّ العصور قدرة الإنسان الحمصي على التكيّف مع بيئته وحاجاته الاجتماعية، والحفاظ عليها اليوم يعني الحفاظ على ذاكرة المكان وعلى موروث إنساني يستحق أن يقّدر ويصان.

آخر الأخبار
دمشق وواشنطن .. نحو بناء علاقات راسخة تحاكي المصالح المشتركة مزارعو الغاب بين قسوة الجفاف ونيران الحرائق  وقفة احتجاجية تطالب بإسقاط المرسوم 66 .. أصحاب الحقوق: أكبر جريمة نهب عقاري في تاريخ دمشق السياسة الخارجية السورية التفاعلية... نقطة على السطر الشيباني.. واختبار جدية التأثير الأميركي على "قسد" صفحة جديدة في مسار العلاقات السورية-الأميركية الزبداني .. تعيد النور إلى فصول مدارسها 30 مدرسة بريف دمشق تتحضر لاستقبال طلابها فتح 200 كم "خطوط نار" في ريف اللاذقية الشمالي تكريم حفظة القرآن في تجمع "جديدة الفضل" و"دروشا" افتتاح محكمتي صلح في "دارة عزة" و"الأتارب" ‏ختام فعاليات ملتقى "وجهتك الأكاديمية" في جامعة الفرات إقالة دبلوماسيين أميركيين معنيين بالشأن السوري بشكل مفاجئ  ‏الصيد الجائر يهدد الثروة السمكية في دير الزور إصلاح أم إعادة تموضع بين "العام" و"الخاص" ؟ إدانات دولية متصاعدة لتوسيع الاحتلال عدوانه على غزة الأمم المتحدة: الوضع في غزة يزداد سوءا تحسن في أسعار صرف الليرة في السوق الموازي الشيباني في واشنطن.. دلالات سياسية واقتصادية في توقيت حساس مساع أممية لإيجاد حلول مستدامة للاجئين السوريين في الأردن