الثورة – هنادة سمير:
في قلب ريف دمشق، وبين أزقة مدينة الزبداني التي خبرت مرارة الحرب وأثقالها، تشرق اليوم بارقة أمل جديدة، مبادرة محلية انطلقت بدعم كريم من أحد أبناء المدينة، الذي آثر أن يبقى اسمه بعيداً عن الأضواء، لكنها تركت أثراً لا يمكن تجاهله.. إعادة الحياة لمدارس كانت خارج الخدمة، وفتح أبواب المستقبل أمام مئات الأطفال.

جدران مهدمة وأحلام مؤجلة
سنوات الحرب لم تكن رحيمة بالزبداني، فكثير من المدارس تحولت إلى مبانٍ مدمرة أو خرجت عن الخدمة، تاركة آلاف الطلاب أمام خيار مرّ، إما الدراسة في بيئة غير مناسبة، أو الانقطاع عن التعليم، وفيما كانت جهود الدولة بعد التحرير مركزة على ترميم البنية التحتية الأساسية، بقي التعليم بحاجة إلى مبادرات مجتمعية تنهض به.
هنا جاء صوت المبادرة “الزبداني تنبض بالأمل”، ترميم ثلاث مدارس أساسية في المدينة، هي: “إبراهيم أبو ديب، المحدثة الثانية، وعبد القاهر الجرجانية”، ليس مجرد إصلاح جدران أو أسقف متصدعة، بل كان مشروعاً لإعادة الاعتبار للتعليم كحق أساسي ومفتاح للحياة الكريمة
المتبرع الذي فضل عدم ذكر اسمه، وقّع اتفاقية لترميم المدارس الثلاث، واضعاً نصب عينيه هدفاً واحداً، أن ينعم الأطفال ببيئة تعليمية آمنة وصحية والمبادرة لم تتوقف عند حدود إعادة الطلاء أو إصلاح المقاعد، بل شملت تجهيز الصفوف، تحسين المرافق الصحية، وتوفير بنية ملائمة تحاكي متطلبات التعليم الحديث.
المشروع لم يقتصر على جدران تُرمم، بل يدل على قدرة المدن التي طالها حقد النظام الظلامي البائد بالقصف والتدمير مستهدفاً كل معالم الحياة فيها على أن تقف على قدميها من جديد، فمن يؤمن بأهمية التعليم، يؤمن أن المستقبل يبدأ من هنا.
داخل المدينة عبر الأهالي عن ردود فعل مفعمة بالحماس والفرح مرحبين بالمبادرة التي اعتبروها رسالة أمل لأبنائهم، وأكدوا أن ترميم المدارس جاء في وقته قبل بدء العام الدراسي الجديد، إذ أصبح بإمكان أبنائهم الذهاب الى مكان آمن من دون الشعور بالقلق عليهم بل على العكس.. هم الآن فرحون بمدارسهم بحلتها الجديدة بعد أن كانت متهالكة.
المعلمون كذلك لم يخفوا سعادتهم بترميم المدارس وحماسهم للعودة إليها، فالمعلم يحتاج بيئة آمنة مثل الطالب تماماً، فعندما يشاهد مدرسته مؤهلة ونظيفة تزداد طاقة العطاء لديهم بل يقع على عاتقهم أيضا زرع الأمل بالأجيال القادمة.
الإعمار مسؤولية مشتركة
الخبيرة التنموية سوسن السهلي بينت في حديثها لصحيفة الثورة، أن هذه المشاريع المجتمعية تحمل بعداً عميقا لأنها تؤكد أن عملية إعادة الإعمار لا يمكن أن تكون مسؤولية الحكومة وحدها، بل هي شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع المدني والمغتربين فالتعليم في سوريا اليوم يحتاج إلى مثل هذه المبادرات التي ترى في كل طفل مشروع حياة كاملة.
وتتابع: إن إعادة تأهيل المدارس ليست مجرد استثمار في البنية التحتية، بل في الإنسان نفسه. فكل مدرسة تُفتتح هي جدار إضافي يُبنى في صرح المجتمع، وكل مقعد يُرمم هو دعوة لطفل ألا يستسلم للظروف.
لا تزال هناك قلوب نابضة بالخير تؤمن أن الغد أفضل، وفيما يستعد مئات الطلاب لطرق أبواب مدارسهم الجديدة، يبقى صوت المبادرة شاهداً على أن التغيير يبدأ بخطوة، وأن التعليم سيظل دائماً بوابة سوريا نحو المستقبل.