الثورة – نيفين أحمد:
ليست مجرد خطوة إدارية عابرة.. بل تحول استراتيجي يمس حياة كل مواطن سوري، هكذا يُنظر إلى المرسوم الرئاسي القاضي بإحداث “المؤسسة العامة لبنوك الدم”، والذي جاء ضمن حزمة مراسيم واسعة ليضع الدم، “مادة الحياة”، في صميم الأمن الصحي الوطني.
قرار يثير تساؤلاً أساسياً هل ستتمكن هذه المؤسسة من إنهاء معاناة المرضى في تأمين وحدات الدم ومشتقاته؟
تحت مظلة وطنية واحدة
لطالما كان ملف الدم ومشتقاته من أكثر التحديات التي تواجه المستشفيات بين نقص الكميات، وتعدد المرجعيات، وضعف التجهيزات، كثير من المرضى -ولاسيما من يحتاجون إلى عمليات جراحية كبرى أو علاج الأورام وأمراض الدم المزمنة- كانوا يصطدمون بعقبات مضاعفة في الحصول على وحدات الدم.
اليوم مع إحداث مؤسسة عامة متخصصة تحت إشراف وزارة الصحة يصبح الملف أكثر تنظيماً وعدالة، إذ تضمن المرجعية الواحدة توحيد المعايير الطبية والإدارية، وضبط آليات التوزيع، وتقليص الفجوات بين المحافظات.
مدير مستشفى المواساة الجامعي وأستاذ أمراض الدم الدكتور أمين عبد اللطيف سليمان، في تصريح خاص لـ”الثورة”، يرى أن القرار يفتح الباب أمام نقلة نوعية، مشيراً الى أن معظم عملياتنا الجراحية تعتمد على الدم ومشتقاته، ووجود مؤسسة موحدة سيعزز التنظيم ويحسن الأداء، بما ينعكس على جودة العمليات واستجابة المستشفيات للحالات الإسعافية، منوهاً بأنه في السابق كان هناك تضارب في المرجعيات، أما اليوم فإن المظلة الواحدة ستسمح بتطوير الأداء والجودة وزيادة القدرة على التخزين والتوزيع.
تحديات لا بد من مواجهتها
رغم الترحيب الواسع بالخطوة إلا أن الطريق أمام المؤسسة لن يخلو من عقبات، وفي ذلك أوضح الدكتور سليمان أن أبرز التحديات هي النقص الكبير في الكوادر الطبية والفنية قائلاً: نواجه عجزاً يتجاوز 50 بالمئة في الكادر الصحي، إضافة إلى الحاجة لتطوير الأجهزة المخبرية والبنى التحتية الخاصة بالتخزين وفق المعايير العالمية، مشيراً إلى أن التبرع بالدم وقطفه وتخزينه واستخدامه يفرض التزاماً صارماً بالمعايير الدولية، لأن نقل الدم قد يكون منقذاً للحياة، لكنه قد يشكل خطراً إذا لم يتم وفق الأسس السليمة.
كسر حلقة الفساد وبناء الثقة
بجرأة لافتة تحدث مدير مستشفى المواساة عن العقبة التي شكّلها الفساد في مراحل سابقة، مبيناً أن الفساد كان يخلق قوانينه الخاصة، ويضعف جودة الأداء، لكننا اليوم نعمل على تجاوز هذه المرحلة والانطلاق نحو نهضة حقيقية في المؤسسات الصحية، وبنك الدم سيكون جزءاً أساسياً من هذه النهضة.
رغم التحديات يؤكد الدكتور سليمان أن هناك تعاوناً قائماً بين وزارتي الصحة والتعليم العالي، فيما يخص المستشفيات وبنك الدم لتجاوز العقبات مع خطط للتوسع حتى عام 2026.
التحديات المادية والكوادر الخدمية تبقى حاضرة، لكن الأمل معقود على أن تتحول المؤسسة إلى نموذج وطني متكامل يوفر الدم ومشتقاته بشكل سريع وآمن لكل محتاج.
يبقى السؤال مطروحاً: هل ستتمكن المؤسسة العامة لبنوك الدم من تحويل المرسوم إلى واقع ملموس يشعر به المواطن؟
الإجابة ستظهر مع الوقت، لكن الأكيد أن وجود مؤسسة متخصصة يضع الأساس لعدالة العلاج وتعزيز الأمن الصحي الوطني، وهو ما يشكل خطوة جديدة لترسيخ ثقة المواطن بالمؤسسات الصحية.