الفنّ في السحابة الرقمية.. مخلوق لا نبض فيه

الثورة – همسة زغيب:

يلتقي الفنّ بالرمز، وتُبدع الآلة حين تبقى الروح إنسانية وتنبض الفكرة في قلب الخوارزمية، ليدخل الذكاء الاصطناعي محراب الإبداع.

يُعيد الفنّ تعريف نفسه في زمن تتقاطع فيه الرياضيات مع الجمال، وتتحاور فيه الآلة مع الريشة، لا لتُقلّد، بل لتُشارك في صياغة التعبير البشري.

يُبدع الذكاء الاصطناعي، يرسم، يعزف، يكتب، ويُحلل، لكن يبقى السؤال: هل يُمكن للآلة أن تشعر؟ أن تتألم؟ أن تحنّ؟ وهل يظل الإنسان سيد الإبداع، أم أن الفنّ يتجه نحو عصر جديد، إذ لا تُمسك الريشة يداً بشرية فقط، بل تمتد إليها يد رقمية لا تنبض، لكنها تُبدع؟

تحولات الفنّ في عصر الخوارزميات

في حديث لصحيفة الثورة أكّد المهندس عمر سعيد أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة تقنية، بل أصبح شريكاً إبداعياً في العملية الفنية، وأشار إلى أن ملامح الفنّ تتغير جذرياً في ظل هذا التحوّل، موضحاً أساليب الرسم، والتي من خلالها يستطيع الذكاء الاصطناعي محاكاة أساليب كبار الفنانين، كفان جوخ وسلفادور دالي، بل ويبتكر أساليب جديدة لا تنتمي لأي مدرسة تقليدية.

أمّا الفن التوليدي فيكون باستخدام شبكات الخصومة التوليدية (GANs)، تُخلق أعمالاً فنية من الصفر، بناءً على فكرة أو شعور يُدخله الفنان، كما تُستخدم الخوارزميات في الترميم والتحليل الفني لترميم اللوحات القديمة وتحليل تكويناتها، ما يُعيد الحياة لأعمال كادت أن تُنسى.

وتأتي أهمية التفاعل مع الجمهور في المعارض الرقمية، لتساعد الزائر أن يُعيد تشكيل العمل الفني تلقائياً، في تجربة تشاركية تُعيد تعريف العلاقة بين الفنان والمتلقي.

وبيّن م. سعيد أن الفن لم يعد يُنتج فقط في الورشة، بل في السحابة الرقمية، إذ تُولد الصور من نبضات رياضية، وتُعرض على شاشات تُحاكي اللوحات، في مشهد يدمج التقنية بالخيال، فالرسم بالذكاء الاصطناعي لا ينبع من فراغ، بل يرتكز على كمّ هائل من البيانات البصرية والنصية التي تُغذّي النماذج وتُشكّل ذائقتها الفنية.

وقد أكّد مختصون في علم البيانات البصرية أن النماذج تعتمد على مجموعة صور فنية من مختلف العصور والمدارس، تُستخدم لتدريب النماذج على فهم التكوين، اللون، الأسلوب، والرمزية، وعلى وصف نصي للأعمال الفنية، يُساعد الخوارزميات على الربط بين الصورة والمعنى، ما يُمكّنها من التعبير عن فكرة أو شعور.

كما تعتمد على تحليل أنماط الفرشاة والضوء والظل، لتفكيك اللوحة إلى عناصر تقنية وإعادة تركيبها بأساليب جديدة، وترتكز على بيانات ثقافية وسياقية، تُتيح إنتاج أعمال تُحاكي الطابع المحلي أو التراثي، في حال توفرت مصادر عربية كافية.

وبيّن م. سعيد أن الباحثين أكّدوا أنّ البيانات ليست محايدة دائماً، إذ إن مصدرها يُحدد أفق الإبداع، لأن النماذج تُدرّب على فنون غربية فقط، وربما تُنتج أعمالاً تفتقر إلى الحسّ العربي أو الشرقي، ما يُبرز أهمية بناء قواعد بيانات فنية عربية تُغذّي الذكاء الاصطناعي بروحنا البصرية الخاصة.

الفن أداة لا كبديل

وأضاف: إنه رغم بريق التقنية، يبقى السؤال الذي يؤرّق الفنان العربي، كيف نحافظ على “اللمسة العربية” في الفنّ الرقمي؟ في مقالة نشرتها منصة “ضفة ثالثة”، أوضح كتّابها أن العاطفة والأصالة الثقافية هما ما يمنعان الذكاء الاصطناعي من استبدال إبداعنا تماماً، خاصة في فنوننا التشكيلية التي تعكس هويتنا من الزخرفة إلى الحرف اليدوية.

وأشار مختصون في التربية الفنية إلى أن برامج تقدمها “أكاديمية الفنّ العربي” تركز على استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة دعم، لا كبديل، للحفاظ على سلامة الإبداع الإنساني، وتُدرّس فيها كيفية توظيف التقنية دون فقدان البعد الثقافي والتعليم الواعي، ما يُمكّن الفنان من استخدام الذكاء الاصطناعي كفرشاة إضافية، لا كيد بديلة.

هل تفقد السخرية روحها؟

ولفت إلى أنّ الكاريكاتير العربي كان سلاحاً ساخراً في وجه الواقع السياسي والاجتماعي، لكن في 2025، أنتجت أدوات مثل Stable Diffusion كاريكاتيرات سياسية عربية، افتقرت غالباً إلى “الروح”، كما وصفها أحد الرسامين في سلسلة كاريكاتير بعنوان “مستقبل الذكاء الاصطناعي”، الذي يسخر من فقداننا للإبداع أمام الآلة.

الرسّام خالد البيه، في تجربته مع ChatGPT، أشار إلى أنه طلب فكرة كاريكاتير سياسي، لكنه وجد أن السخرية الحقيقية تنبع من تجاربنا اليومية، لا من البيانات.

كما سلّط كاريكاتير خليجي نشر في صحيفة “الاتحاد” الضوء على كورسات الذكاء الاصطناعي في الكاريكاتير، محذّراً من فقدان الروح العربية، ومن تحوّل السخرية إلى نمطية خالية من النبض المحلي.

هل تُبدع الآلة أم تُقلّد؟

رغم الإبداع البصري الذي تُقدمه الآلة، يبقى السؤال الفلسفي حاضراً أمامنا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعبّر عن الألم، عن الحب، عن الحنين؟ وهل تُولد الروح من الخوارزمية، أم إن الفن الحقيقي يحتاج إلى تجربة إنسانية، إلى ذاكرة، إلى جرح؟.

الذكاء الاصطناعي يُبدع، لكنه لا يشعر.. يُنتج، لكنه لا يتأمل، وهنا يبقى الفنان هو من يمنح العمل بعده الإنساني، ويُعيد له نبضه.

واختتم م. سعيد حديثه قائلاً: في زمن تتسارع فيه التقنية، يبقى الفن مساحة مقاومة، لا استسلاماً، الذكاء الاصطناعي قد يُنتج، لكن الإنسان وحده يَشعر.. وما بين الريشة والخوارزمية، تظل الروح العربية هي من تُحدد ملامح الإبداع القادم، وتحفظ للفنّ جوهره الإنساني.

آخر الأخبار
تطوير برامج التمكين الاقتصادي للمرأة العاملة بحلب التحول الرقمي في "الصحة والإنتاج الحيواني".. الرئيس الشرع في أميركا.. فرص استثمارية تتقدم ومناخ اقتصادي يتغير زيارة الشرع إلى واشنطن.. انفتاح عملي على العقول السورية بالمهجر "ساهم فيها ".. إزالة الأنقاض في تل رفعت شمال حلب جهود مكثفة في ريف اللاذقية لاحتواء الحرائق "نساء من أجل السلام".. تعزيز التماسك المجتمعي "صناعة حلب" تجهّز لمعرض خان الحرير للألبسة الرجالية من حقيبتي إلى حلمي.. عامٌ جديدٌ يبدأ المضاد للبكتريا والفطريات.. اختراع جديد باستخدام نبات "اليوكاليبتوس" انطلاقة مؤجلة لقسم الجيولوجيا في جامعة طرطوس الصناعات الهندسية في حلب بين التحديات والطموحات قمة "كونكورديا" منصة للرئيس الشرع لعرض رؤية سوريا للسلام والعلاقات الدولية هل تنهي المؤسسة العامة لبنوك الدم معاناة المرضى في تأمين الوحدات؟ العام الدراسي.. استئناف رحلة الأمل وفاءٌ يزرع الأمل في إدلب خروج مجموعات توليد عن الخدمة يقطع الكهرباء عن القنيطرة مع غياب الأرقام الدقيقة.. البطالة سيف ذو حدين العزوف عن العلاج النفسي.. وصمة اجتماعية أم جهل؟ مشاركة سوريا بذكراه الثلاثين.. "مؤتمر بكين 1995" علامة فارقة في مسيرة حقوق المرأة