الثورة – تحقيق زهور رمضان:
اعتمد النظام البائد خلال مراحل حكمه على سياسة الأرض المحروقة، لقمع ثورات الحرية والكرامة، وإخمادها في مدن حماة وقراها.. وإحدى أكبر هذه المدن كانت هي اللطامنة التي ثار أهلها على الظلم والقهر، فتعرضت للقصف بالطيران والمدفعية، مما اضطر سكانها للنزوح حفاظاً على أرواحهم. ففي عام 2014، نزح أكثر من 90 بالمئة من أهالي اللطامنة، وأصبحت نحو 5000 عائلة تقطن في مخيمات النزوح، فيما بقي عدد قليل من السكان يعيشون تحت ظروف القهر والظلم.
وإبان تحرير كامل التراب السوري، وإعادة البهجة لنفوس السوريين سارعت العديد من العائلات النازحة من مدينة اللطامنة للعودة، على الرغم من عدم توفر أدنى مقومات الحياة فيها بسبب تراكم آثار الدمار والقصف والأنقاض في الطرقات، وفي كل مكان من البلدة.
في هذا التحقيق الصحفي نتابع واقع العائدين إلى مدينتهم.. اللطامنة..
قلة الدعم هي العائق خلال سيطرة النظام البائد
تشكل في اللطامنة فريق سري، يدعى فريق “الأيادي البيضاء”، بدأ العمل بشكل سري عبر بعض المتبرعين لمساعدة الأهالي، وفي عام 2020 أصبحت فكرة الفريق وأنشطته علنية لتشجيع المغتربين على دعم أهلهم. رئيس فريق الأيادي البيضاء فواز الإسماعيل، ذكر أنه بعد التحرير، تم تنظيم 6 قوافل عودة لنحو 300 عائلة، وكانت هي التجربة الأولى من نوعها ليس على مستوى المحافظة فقط، بل على مستوى سوريا، وقد لاقت هذه التجربة استحسان مكتب الشؤون السياسية في المحافظة، الأمر الذي شجع الفريق بدوره على الاستمرار وأدى إلى ازدياد عدد العائلات المسجلة للعودة، ليصبح العدد أكثر من 600 عائلة مسجلة، مبيّناً أن قلة الدعم أعاقت تسيير عودة القوافل.
وبيّن الإسماعيل أنه من المتوقع ازدياد عدد العائلات الراغبة بالعودة إلى اللطامنة، الأمر الذي لن يكون ممكناً ما لم تفتح الطرقات وتؤمن الخدمات للمدينة، إذ شهدت مناطق عدة في محافظة حماة حركة نشطة، بالتزامن مع عودة أهلها النازحين في مخيمات الشمال السوري إلى ديارهم وأراضيهم في مختلف بلدات وأرياف المحافظة، منذ سقوط النظام البائد.
وقد سارعت محافظة حماة منذ أول أيام التحرير لتسهيل عودة هؤلاء المهجرين للمحافظة وكانت مدينة اللطامنة في طليعة تلك المدن، وقد تمثل تسهيل عودة المهجرين عبر فتح الطرقات وإزالة الركام والأنقاض وتأمين الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ورعاية صحية وتعليمية ومدارس.
دعم حكومي
وإبان عودة عدد كبير من عائلات اللطامنة إلى منازلهم المدمرة تفاجؤوا بحجم الدمار والخراب الذي خلفه قصف النظام المجرم للمدينة، رغم مرارة الفقر الذي عاشوه وعانوه في مخيمات اللجوء فقد أصبح على كاهلهم واجب إعادة ترميم منازلهم، وترحيل الأنقاض التي خلفها القصف على المنازل والشوارع. ولما لم يكن بمقدورهم تحمل تكاليف وأعباء كل ذلك فقد سارعت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لإعانتهم، سواء عن طريق إعانات مادية أو عينية أو توزيع معونات اجتماعية، وفي إطار ذلك ذكر مدير الشؤون الاجتماعية والعمل في حماة أحمد الحاج يحيى، أن المديرية أشرفت على توزيع سلل طوارئ غذائية في البلدات والقرى التي عاد إليها أهلها النازحون بالتعاون مع منظمات دولية وجمعيات خيرية وإنسانية، وذلك في إطار جهود دعم العائلات العائدة إلى قراها وتخفيف الأعباء المعيشية بعد سنوات من النزوح، جراء ممارسات واعتداءات النظام البائد.
عودة أكثر من 56 ألف أسرة
وأوضح الحاج يحيى أن عدد الأسر العائدة من النزوح في المحافظة بلغ خلال شهري نيسان وأيار 56267 أسرة بمجموع أفراد يزيد على 286 ألف شخص تلقوا كل المساعدات الممكنة، من السلال الغذائية والصحية والمواد الإغاثية، مشيراً إلى وجود جهات ومنظمات إنسانية داعمة، وذلك بالتوازي مع حراك حكومي خدمي لتأمين الكهرباء والماء وإزالة الأنقاض والركام وفتح الشوارع. وبين أنه يقدر عدد الأسر العائدة لمدينة اللطامنة بـ 2700 أسرة، ما يشكل نسبة خمسة في المئة من العائدين، بمجموع عدد أفراد يزيد على ثلاثة عشرة ألف شخص.. كما أعلنت رئاسة الهجرة التركية عودة أكثر من250 ألف سوري إلى بلادهم منذ سقوط النظام البائد في ديسمبر 2024، وذكرت في بيانها أن عدد السوريين الذين عادوا إلى بلدهم منذ 2016 بلغ مليوناً و126 ألفاً، بينهم 250,064 شخصاً عادوا بعد التحرير مباشرة منذ التاسع من كانون الأول 2024.
ضرورة ملحة
ونتيجة لتراكم الأنقاض ومخلفات الحرب والدمار الكبير الحاصل في المدينة، فقد طالب العديد من سكان المدينة الجهات الحكومية للعمل على ترحيل الأنقاض، وفتح الشوارع وتأمين الحد الأدنى من الخدمات للسكان العائدين.
وقد أكد المهندس حسان كزكز في حماة أن العمل على ترحيل الأنقاض هو مطلب شعبي من جميع الأهالي لتأمين البيئة المناسبة لاستمرار عودة الأهالي، كون عملية ترحيل الأنقاض تكلف كل عائلة مبالغ طائلة، قد لا يكون بمقدورهم دفعها. وعلى وجه السرعة قام فريق الدفاع المدني السوري- ضمن حملة “حماة تنبض من جديد” الخدمية، بالتعاون مع مجلس محافظة حماة، ومنطقة محردة- بحملة لإزالة أكوام الأنقاض والدمار من طرقات المدن وفتح شرايين الحياة للمدن والبلدات في محافظة حماة.
وكانت البداية من بلدة اللطامنة التي حوّلتها هجمات النظام المخلوع وداعميه خلال السنوات الماضية لأكوام من الركام، ونشرت الدمار فيها بشكل كبير جداً.
وأكد مدير منطقة محردة أحمد الصيادي أن هدف الحملة هو تسهيل الوصول الإنساني للبلدة وعودة المهجرين، ودعم أعمال تأهيل وترميم البنى التحتية الأساسية للبلدة، وإزالة السواتر الترابية، وفتح الطرقات المغلقة منذ سنوات حكم النظام البائد تمهيداً لإطلاق حملة أوسع تشمل قرى وبلدات ريف حماة الشمالي لإعادة تأهيل البنى التحتية وتهيئة الظروف لعودة الحياة الطبيعية تدريجيّاً.
واعتبر محافظ حماة عبد الرحمن السهيان أن هذه الحملة هي الأولى من نوعها بهذا الحجم في ريف حماة الشمالي، مشيراً إلى أنه سوف تليها حملات أكبر وأشمل لقرى وبلدات المنطقة، إذ تعتبر مدينة اللطامنة من أكثر المدن دماراً في ريف حماة الشمالي.
الشبكة الكهربائية والمياه
وفي ضوء تأمين مستلزمات الحياة من وصل الشبكة الكهربائية والمياه، بينّ مدير مكتب طوارئ كهرباء اللطامنة محمد يوسف شعبان أن مكتب الطوارئ في بلدة اللطامنة، وبالتعاون مع قسم كهرباء محردة، باشر بتنفيذ المرحلة الأولى من خطة إعادة تأهيل الشبكة الكهربائية، من خلال تركيب عدد من الأعمدة في البلدة، وذلك بالتزامن مع بدء عودة الأهالي والنازحين إلى البلدة، في إطار الجهود الرامية إلى إعادة الخدمات الأساسية وتحسين واقع البنية التحتية في البلدة.
وأكد نائب المدير العام لمؤسسة مياه حماة ورئيس الإحصاء والتعاون الدولي المهندس عبد الملك الحمصي، أن الورشات الفنية في المؤسسة العامة لمياه الشرب بدأت بتنفيذ أعمال الحفريات في مدينة اللطامنة بريف حماة الشمالي، وذلك ضمن مشروع أعمال مدّ قساطل مياه الشرب في المدينة، مبيناً أن طول الخط الممدود 350 م وبعمق 90 إلى 100 سم، وهو من قساطل بولي ايتلين، قَطر 125 مم لربط بئر اللطامنة بالشبكة الرئيسية.
وأكد أن الهدف من هذا المشروع هو تأمين مياه الشرب للأحياء المرتفعة في اللطامنة كحي المقام والحي الشمالي الشرقي، التي تعاني من نقص مياه الشرب، بحيث يحقق المشروع تَغذية رقعة واسعة من أحياء المدينة، مما يشجع الأهالي على العودة والاستقرار في منازلهم.
وأوضح م. الحمصي أنه يتم تنفيذ خط الربط بين البئر والشبكة، ثم سيتم تشغيل البئر بعد تأمين تغذيته بالتيار الكهربائي أو تنفيذ منظومة طاقة شمسية، وذلك بعد أن قامت المؤسسة بتركيب التجهيزات الميكانيكية والكهربائية اللازمة للبئر وتجربته واختبار صلاحية مياهه.
المدير العام للمؤسسة العامة لمياه الشرب في محافظة حماة المهندس عبد الستار العلي، بيّن أنه، وفي إطار الجهود المبذولة لتأمين الاحتياجات الأساسية للأهالي العائدين إلى مدينة اللطامنة بريف المحافظة الغربي، وخاصة مياه الشرب، فإن العمل جارٍ لتشغيل بئر جديد بهدف تحسين واقع مياه الشرب، مضيفاً أن ورشات المؤسسة تعمل على تزويد البئر الجنوبي في المدينة بمجموعة توليد كهربائية وكافة المستلزمات الكهربائية والميكانيكية اللازمة لتشغيله وضخ المياه للأهالي.
مركز صحي
أما بخصوص تأمين الخدمات الصحية والطبية لسكان المدينة فقد انطلقت أعمال بناء مركز صحي جديد في مدينة اللطامنة بريف حماة الشمالي، ضمن شراكة استراتيجية بين مديرية صحة حماة، ومجلس مدينة اللطامنة، وجمعية “تكافل” النمساوية، بدعم من اتحاد الأطباء والصيادلة العرب في النمسا.
ويأتي المشروع ضمن جهود تحسين البنية التحتية الصحية، وتعزيز الخدمات الطبية المقدمة للمجتمعات الريفية في المنطقة.
وأوضح مدير صحة حماة، الدكتور نزيه الغاوي أن الهدف من هذا المشروع هو توفير رعاية صحية شاملة لسكان المنطقة، ودعم مستوى الخدمات الطبية عبر تحديث المرافق وتوسيع نطاق التغطية الصحية، مبيناً أن المركز الطبي سيسهم في تخفيف الضغط عن المنشآت الطبية القائمة، ويُحدث نقلة نوعية في استجابة القطاع الصحي للاحتياجات اليومية والطارئة، متوقعاً أن يخدم المركز الصحي آلاف السكان في اللطامنة والقرى المجاورة، من خلال توفير عيادات متخصصة في الرعاية الأولية، وخدمات الطوارئ، ورعاية الأمومة والطفولة، إلى جانب برامج التوعية الصحية، بالإضافة لمساهمته في خلق فرص عمل مباشرة لأبناء المنطقة خلال مراحل البناء والتشغيل.
متابعة ميدانية
وللوقوف على حجم التنفيذ على أرض الواقع ومتابعة تنفيذ الأعمال الميدانية من قبل محافظة حماة، وتطور الخدمات المقدمة، فقد أجرى محافظ حماة عبد الرحمن السهيان، برفقة مدير منطقة محردة أحمد الصيادي، جولة ميدانية تفقدية لمدن اللطامنة ومدن أخرى في شمال حماة، وشملت تفقد الشوارع والساحات التي تمت إزالة الركام والأنقاض منها، ضمن حملة حماة تنبض من جديد، والتي شاركت فيها آليات الخدمات الفنية والدفاع المدني، وتم الاطلاع على المشاريع المنفذة في مجال المياه من حفر آبار وتركيب منظومات طاقة شمسية والمراكز الصحية والمساجد.
واستمع المحافظ لمطالب الأهالي والعائلات العائدة حديثاً والتي تمركزت حول تأمين مياه الشرب وشبكة الكهرباء وترميم المدارس والمساجد والمستوصفات، وتأهيل البنى التحتية من صرف صحي وطرقات.
ووعد السيد المحافظ بتقديم كل الدعم اللازم للارتقاء بالواقع الخدمي والصحي والتعليمي والمعيشي للأهالي ضمن الإمكانيات المتاحة والعمل المستمر مع المنظمات الدولية لتقديم أفضل الخدمات لأهالي اللطامنة.
ووعد بتقديم كل الدعم للأهالي للارتقاء بواقع هذه القرى صحياً وتعليمياً وتوفير مياه الشرب والكهرباء والمدارس والخدمات الصحية في أقرب وقت وحسب الإمكانات المتوافرة.
مدارس بحاجة للترميم
وفي إطار تأمين البيئة المناسبة للعملية التربوية وضمان استمرارية تعليم أبنائنا الطلبة، خاصة مع بدء العام الدراسي فقد صرح عبد الناصر الصالح رئيس المجلس المحلي لمدينة اللطامنة أنه ونظراً لبدء العام الدراسي فإن مدينة اللطامنة تدق ناقوس الخطر حول مشكلة عدم وجود بناء مدرسي في المدينة التي خرجت من حرب قاسية، دمرت المدارس، فأصبح من الواجب على الجميع المشاركة في مبادرات تهدف لترميم المدارس، لما لها من أثر طيب، مبيناً وجود ثمانية مدارس لا تصلح للعملية التربوية نهائياً مذكراً بوجود وعود من قبل المنظمات الدولية ومن مديرية التربية والمحافظة، لكنها لم تنفذ على أرض الواقع بعد.
بدوره أكد عضو اللجنة المجتمعية والخدمية ساري القدور، وجود نحو 6000 طالب وطالبة في جميع المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية من بين عدد الأسر العائدة للمدينة البالغة 2700 أسرة وهناك أسر فيها 4 طلاب.
وناشد المعنيين في المحافظة والتربية والمنظمات الدولية وجهات الاستجابة السريعة والجهات المانحة لترميم وتأهيل مدارس اللطامنة المدمرة.
حملة “مدرستي”
وفي خطوة تعكس تلاحم المجتمع المحلي مع الجهات الرسمية، فقد أطلق الأهالي حملة شعبية واسعة لإعادة ترميم وإعمار المدارس المدمرة والمتضررة في مدينة اللطامنة، وعلى الأخص تأهيل عدد من صفوف ثانوية الذكور في الحي الشرقي للمدينة، بهدف استقبال طلبة المرحلة الثانوية، كونها تعتبر المدرسة الأفضل من بين المدارس الموجودة حالياً.
هذا ما أكده رئيس مجلس مدينة اللطامنة عبد الناصر الصالح، أنه وتجاوباً مع مطالبات الأهالي الكثيرة لترميم ما يمكن ترميمه مع بدء العام الدراسي فقد أطلق مجلس المدينة حملة مدرستي بالتعاون مع مديرية المنطقة ومباركة مديرية التربية، نقوم بحملة لجمع التبرعات لإصلاح ما يمكن إصلاحه، متوقعاً مشاركة أوسع من المجتمع المحلي، مؤكداً أنه ومن خلال الدعم والمساندة والجهود المشتركة يمكن إعادة الحياة إلى المدرسة، وفتح باب الأمل لأبنائنا من جديد، فيما بين مسؤول العلاقات العامة في منطقة اللطامنة علي الخلف، أن اللجنة المجتمعية في اللطامنة قد تمكنت ضمن حملة مدرستي من جمع أكثر من عشرين ألف دولار لترميم مدارس اللطامنة.
كما أوضح رئيس الهيئة التعليمية في اللجنة المجتمعية محمد خروف، أنه وخلال السنوات الماضية تعرضت مدارس المدينة لدمار شبه كامل، ما أدى إلى خروجها من الخدمة، مشيراً إلى أن الحملة نجحت في ترميم مدرسة عبد العال السلوم، وتجهيز إحدى عشرة غرفة صفية فيها ويجري العمل على ترميم مدرسة ثانية، بينما تبقى بعض المباني غير قابلة للإصلاح نتيجة الدمار الكلي.
وتأتي هذه المبادرة في إطار الجهود المجتمعية الرامية إلى دعم العملية التعليمية، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، بما ينسجم مع توجهات الدولة في إعادة الإعمار وتأهيل البنية التحتية في المناطق المحررة، وتعزيز جهود البناء والتنمية في محافظة حماة.