رفع كفاءة الأداء الكهربائي بحلب.. تطلعات الأهالي في مواجهة الخطط الرسمية

الثورة – جهاد اصطيف:

تشكل الكهرباء في أي مجتمع ركيزة أساسية للحياة اليومية والتنمية الاقتصادية، فهي ليست مجرد خدمة، بل عصب الإنتاج ومحرك عجلة الاقتصاد، في المنازل، وضرورة للإنارة والتدفئة والتبريد وتشغيل الأجهزة المنزلية، وفي الحقول هي شرط لري الأراضي وتشغيل المضخات الزراعية، وفي المصانع والورش والأسواق هي شريان الحياة الذي يمد خطوط الإنتاج والتجارة بالطاقة اللازمة للاستمرار.

في محافظة حلب، التي لطالما اعتبرت القلب الاقتصادي لسوريا، تبدو أزمة الكهرباء أكثر حضوراً وإلحاحاً من أي مكان آخر، المدينة التي اشتهرت تاريخياً بصناعاتها وأسواقها وحيويتها الاقتصادية، تواجه اليوم تحدياً كبيراً، يتمثل في تأمين كهرباء مستقرة، بعد سنوات من الحرب التي خلفت أضراراً هائلة على البنية التحتية، وبين وعود المسؤولين الرسميين ومساعي المؤسسة العامة للكهرباء، وبين واقع معاناة الأهالي والصناعيين، تتكشف صورة متناقضة لمعضلة معقدة يترقب الجميع حلولها.

تعزيز الأداء

في إطار الجهود المبذولة لتحسين المنظومة الكهربائية، أجرى المدير العام للمؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء المهندس خالد أبو دي، يرافقه مدير التشغيل المهندس صبحي السالم، جولة ميدانية اليوم في شركة كهرباء محافظة حلب ووحدة العمليات التشغيلية الشمالية. اطلع الوفد خلال الجولة على سير العمل وأعمال الصيانة الجارية لمعالجة الأعطال وتحسين استقرار الشبكة، وعقب الجولة، عقد اجتماعاً مع مدير الشركة المهندس محمود الأحمد ومديري المديريات، تم فيه استعراض واقع العمل والخطط الموضوعة لرفع كفاءة الأداء، إضافة إلى مناقشة السبل الكفيلة بتحسين الخدمات المقدمة للمشتركين. وزارة الطاقة تضع حلب في سلم أولوياتها، بالنظر إلى مركزها الاقتصادي وعدد سكانها الكبير، والتشديد على أهمية استكمال خطط إعادة تأهيل الشبكات المتضررة، وتوسيع مراكز التحويل وتحسين الجهد الكهربائي بما يتناسب مع الطلب المتزايد، إلا أن الواقع على الأرض دائماً ما يفرض نفسه فماذا عنه؟

تقنين طويل وأمبيرات مرهقة

رغم الجهود الرسمية، يبقى واقع الأهالي في حلب مختلفاً، فالتقنين الطويل والانقطاعات المفاجئة باتت جزءاً من الحياة اليومية، ففي كثير من الأحياء الشعبية، لا يحصل المواطنون سوى على 4 ساعات تغذية في اليوم الواحد، بينما يقضون بقية اليوم في عتمة تتخللها أصوات المولدات الخاصة. يقول نهاد. أ، موظف متقاعد: نحن لا نطلب المستحيل، فقط نريد كهرباء مستقرة لبضع ساعات في اليوم كي نستطيع أن نعيش بشكل طبيعي، تعبنا من تشغيل البطاريات والاعتماد على الأمبيرات التي تستنزف رواتبنا.

 

وأشار إلى أن تكلفة الأمبيرات أصبحت عبئاً ثقيلاً، إذ يدفع المواطن مبالغ تتجاوز في معظم الأحيان من 60 إلى 70 ألف ليرة سورية أسبوعياً لتغطية جزء بسيط جداً من حاجته الأساسية للطاقة، وهو مبلغ يفوق قدرة الكثير من الأسر محدودة الدخل، ومع موجات الحر أو البرد، تتضاعف المعاناة ويصبح البحث عن بدائل أمراً قاسياً يثقل كاهل العائلات.أما في الريف، فالصورة أكثر تعقيداً، يعتمد المزارعون على الكهرباء لتشغيل مضخات المياه لري أراضيهم، لكن ضعف التغذية وانقطاعها يجعلهم أمام خيارين، إما تقليص مساحات الزراعة، أو الاعتماد على الوقود لرفع المياه بتكاليف إضافية. ويوضح حسين. ح أحد المزارعين من ريف منطقة السفيرة أن الكهرباء بالنسبة لهم حياة أو موت، فهي تحدد إن كان محصولهم سينجح أو سيفشل.

روح المصانع

في الجانب الآخر، يقف الصناعيون والتجار في مواجهة تحديات أكثر خطورة، الكهرباء بالنسبة لهم ليست مجرد إنارة منزلية، بل روح المصانع وشرط أساسي لاستمرارية الإنتاج، المناطق والمدن الصناعية في حلب، بما فيها مدينة الشيخ نجار التي تعد من أكبر المدن الصناعية في سوريا، تضم المئات من المنشآت الصناعية المنتجة، إضافة إلى المعامل المرخصة أو قيد التجهيز، هذه المنشآت تشغل آلاف العمال، وتنتج منتجات تغطي السوق المحلية وتنافس في التصدير، ورغم تغذيتها وتخصيصها بالكهرباء وفق برامج محددة، إلا أن الكثير من منشآت المناطق – وليس المدن – تعمل بأقل من طاقتها، إذ يضطر أصحابها إلى تشغيل المولدات الخاصة لساعات طويلة، ما يرفع كلفة الإنتاج بشكل كبير.

يقول عدد من الصناعيين: الكهرباء هي روح منشآتنا، ومن دونها لا نستطيع تشغيل أي آلة، وتكلفة الوقود تضاعف الأسعار وتجعلنا نفقد القدرة التنافسية أمام المنتجات المستوردة، كما أن توقف الإنتاج بشكل متكرر يعرّض العقود التجارية للخطر ويضعف ثقة الشركاء، ويشير الصناعيون إلى أن توفير كهرباء مستقرة ولو 12 ساعة يومياً كفيل بإحداث نقلة نوعية في الإنتاج وتشغيل المزيد من الأيدي العاملة.

نبض يتأثر بالتيار

التأثير لا يقتصر على المعامل الكبرى، ففي أسواق حلب الشعبية والتجارية، يشكو أصحاب المحلات من الانقطاعات المتكررة التي تؤثر على عملهم، باعة المواد الغذائية على سبيل المثال يواجهون مشكلة في حفظ المواد المبردة، ما يؤدي إلى خسائر يومية، ومحلات الألبسة تعتمد على الإنارة لعرض بضائعها بطريقة جاذبة، وورش الحدادة والنجارة والخياطة الصغيرة تتوقف عن العمل بمجرد انقطاع الكهرباء.

يشير محمد أحمد، أحد أصحاب المحلات التجارية، إلى أن الكهرباء بالنسبة للتاجر مثل الهواء، إذا انقطعت يتوقف عمله فوراً، فهو بحاجة إلى استقرار لا إلى وعود فقط.

لا يخفى أن حلب بوزنها السكاني الذي يتجاوز 4 ملايين نسمة، وبمركزها الصناعي والتجاري، تحتاج لدعم استثنائي في قطاع الكهرباء، فتوفر الطاقة المستقرة يعني تشغيل آلاف خطوط الإنتاج في المعامل، وإعادة إحياء الأسواق كعاصمة اقتصادية، ودعم الزراعة عبر تشغيل مضخات الري، وتحسين الحياة المعيشية للأهالي وخفض الاعتماد على الأمبيرات، فالكهرباء هنا ليست مطلباً خدمياً فقط، بل قضية اقتصادية واجتماعية ووطنية بامتياز.

بين الواقع والتطلعات

رغم الوعود، لا يزال المواطن والصناعي والتاجر بانتظار خطوات ملموسة على الأرض، فقد شهدت حلب في فترات سابقة تحسناً في التغذية الكهربائية سرعان ما تراجع بسبب ارتفاع الأحمال أو الأعطال المفاجئة، ويخشى الأهالي من أن تبقى الوعود حبيسة الاجتماعات من دون أن تتحول إلى واقع يلمسونه في حياتهم اليومية.

إن تحسين واقع الكهرباء في حلب، ليس مطلباً خدمياً عادياً، بل ضرورة وجودية لإعادة إعمار المدينة واستعادة مكانتها كقاطرة للاقتصاد السوري، وبين الجهود الرسمية والواقع المعاش، يبقى التحدي الأكبر هو الانتقال من التخطيط إلى التنفيذ العملي الذي يضمن استقراراً كهربائياً حقيقياً.

إنها معركة يومية يخوضها الأهالي والصناعيون والتجار، وكلهم ينتظرون أن يروا في القريب العاجل تحول الوعود إلى واقع يضيء منازلهم، ويشغل مصانعهم، ويعيد لحلب مكانتها الطبيعية كمدينة نابضة بالحياة والإنتاج.

آخر الأخبار
فلاحو القنيطرة يهجرون الرمان ويتجهون للزيتون المشروع الوطني لإنتاج بذار البطاطا.. ركيزةٌ للأمن الغذائي الخطة الإنتاجية الزراعية تستهدف الاستفادة القصوى من جميع الموارد  سوريا وسلطنة عمان توقعان اتفاقية في مجال النقل الجوي مركز الملك سلمان والصحة العالمية: دعم خدمات الطوارئ الصّحيّة في سوريا زيارة الرئيس الشرع لأميركا.. بداية جديدة للاستثمارات ورفع العقوبات "المونيتور": زيارة الشرع لأميركا نقطة تحول سياسية واقتصادية لسوريا رفع كفاءة الأداء الكهربائي بحلب.. تطلعات الأهالي في مواجهة الخطط الرسمية حمص تستعيد سكانها.. ومديرية النظافة تصارع بضعف الإمكانيات  عثمان ديمبيلي يفوز بجائزة الكرة الذهبية  معاصر الزيتون في طرطوس تصارع تكاليف التشغيل وتراجع الإنتاج الرئيس الشرع يجتمع بكبرى الشركات العالمية في نيويورك "قلم ودفتر".. لمسة أمل لدعم التلاميذ من دمشق إلى نيويورك.. يتردد الصدى الجالية السورية في أميركا تدعم صندوق التنمية لأول مرة.. جراحة تنظيرية نوعية في مستشفى الأطفال بحلب لقاءات مكثّفة للرئيس الشرع في نيويورك تمهّد لخطاب تاريخي أمام الأمم المتحدة معرة النعمان.. جهود مثمرة لإعادة الحياة للمدينة بعد سنوات الحرب "اللطامنة".. تتنفس من جديد.. بلدة سحقها النظام البائد تبني مستقبلها "من رجل حرب إلى رئيس": قراءة في ردّ الرئيس الشرع على سؤال ديفيد بيتراوس