الطالبة غزل الجوراني.. إرادة تبصر النور رغم العتمة

الثورة – ميساء العجي:

في بلد أثقلته التحديات وتراكمت فوقه الأزمات، تظل قصص الأمل التي تضيء القلوب، وتلهم الأجيال، شاهدة على أن إنسان قادر على تحويل المحن إلى منح.. ومن بين هذه القصص تبرز حكاية الطالبة غزل إبراهيم الجوراني، التي خطّت اسمها بحروف من نور في سجل المتفوقين على مستوى القطر، محققة المرتبة الثانية في الفرع الأدبي رغم إصابتها بإعاقة بصرية ناتجة عن مرض وراثي يُعرف بالتهاب الشبكية الصباغي، مرض سرق منها وضوح الرؤية، لكنه لم يستطع أن يسلبها نور الإرادة ولا شغفها بالعلم.

هذا المرض المزمن يؤدي تدريجياً إلى ضعف شديد في البصر، قد يصل إلى العمى التام أو شبه التام ما يجعل القراءة والكتابة بالطريقة التقليدية مهمة شبه مستحيلة، غير أن غزل كسرت هذه القاعدة، إذ حوّلت عجز عينيها إلى قوة لعقلها واتخذت من السمع بوابتها إلى المعرفة.. كانت والدتها ملاكاً حارساً يرافقها منذ طفولتها تقرأ لها الدروس وتساعدها على الفهم حتى أصبحت غزل تحفظ بالاستيعاب العميق لا بالتكرار، وتحوّل كل معلومة مسموعة إلى رصيد معرفي راسخ.

التحديات إلى إنجازات

لم يكن طريق غزل الدراسي في بدايته مفروشاً بالورود، فالمواد العلمية كالرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، بدت في البداية جبلاً يصعب تسلقه لكونها تحتاج عادة إلى الشرح البصري والصور التوضيحية، ومع ذلك أدهشت الجميع حين تفوقت فيها محققة علامات تامة أثبتت أن الفهم والاستماع قد يتفوقان أحياناً على الطرق التقليدية للتعلم.

ومع انتقالها إلى المرحلة الثانوية خصصت وزارة التربية معلمة مصادر لمساعدتها كانت هذه الخطوة بمثابة دعم استثنائي جعلها قادرة على متابعة الدروس داخل الصف كأي طالبة أخرى، وبحسب ما تروي غزل نفسها كان دور معلمة المصادر يتمحور حول تسجيل الدروس صوتياً لتعود هي في المنزل وتعيد الاستماع والحفظ بدعم والدتها، هذه التجربة لم تمنحها فقط أدوات للتعلم بل غرست لديها إيماناً عميقاً أن الإرادة تفتح الأبواب مهما كانت مغلقة.

شهادة المعلّمين والإدارة

لم تكن غزل مجرد طالبة مجتهدة بل كانت أيضاً مثالاً في الأخلاق والرقي داخل المدرسة تقول مدير مدرسة مجد عنقد الآنسة فدوى غانم عفوف: إن التحدي وقود المثابرة، والإرادة تزيل كل العوائق غزل منذ بداياتها معنا في المدرسة كانت طالبة هادئة متميزة محبوبة من زميلاتها، لم تعزلها إعاقتها عن مجتمعها المدرسي، بل زادتها قرباً من الآخرين كنا نرى فيها دائماً مشروع طالبة متفوقة وقلوبنا كانت تنبض أملاً بأنها سترفع اسم المدرسة عالياً.

وتضيف: إن غزل حققت في الصف التاسع مجموعاً يقارب 304 درجات وكان من المتوقع أن تحصل على العلامة التامة لولا بعض الهفوات في صياغة الأسئلة من قبل غير المختصين لكن هذه التفاصيل لم تنقص شيئاً من قيمتها أو عزيمتها، بل كانت حافزاً إضافياً لتكمل طريقها.

أما معلماتها فقد رأين فيها طالبة مختلفة بقدرتها على برمجة المعلومة بطريقة خاصة بها تجمع بين الهدوء والفهم العميق، لقد أثبتت أن النجاح ليس صدفة بل نتيجة جهد وصبر واستعداد داخلي لمواجهة التحديات.

غزل تروي قصتها

بنبرة صادقة وعفوية تحكي غزل عن تجربتها مع معلمة المصادر، قائلة: كانت الأستاذة دارين ونوس من الأشخاص الذين ساعدوني كثيراً، فقد كانت تسجل لي الدروس لأعود إليها لاحقاً في المنزل، لم يكن دورها أن تشرح لي أو أن تسمّع لي، بل فقط أن تؤمن لي نسخة مسموعة من الدرس، وهنا كانت أمي السند الأكبر تساعدني في الدراسة خصوصاً قبل الصف التاسع عندما كانت المواد العلمية أصعب.

وتضيف غزل: على الرغم من أن ميولي كانت علمية، لكنني اضطررت إلى دخول الفرع الأدبي في المرحلة الثانوية بسبب طبيعة المواد العلمية التي تحتاج إلى رؤية دقيقة، ومع ذلك لم أستسلم كنت أتعامل مع كل مادة بجدية، حتى إن لم أحبها وأعطيها حقها لأحصل على العلامات الممتازة، لكن حبي الحقيقي كان للغات وخاصة الإنكليزية والفرنسية، فقد كنت أستمتع بدراستها وأشعر أنني أعيش مع الكلمات في عالم آخر.

صبر وإصرار

وراء نجاح غزل حكاية أخرى لا تقل أهمية، وهي حكاية العائلة، فالأب إبراهيم الجوراني يعاني من المرض نفسه، وكذلك أشقاؤها، ومع ذلك لم يسمحوا للظروف أن تفرقهم أو تهزمهم، كان البيت مدرسة في الصبر والدعم، والأم حملت على عاتقها عبء الرعاية والتعليم، هذا الجو الأسري المتماسك منح غزل قاعدة صلبة انطلقت منها نحو النجاح.

قصة غزل ليست مجرد تفوق لطالبة على مرضها، بل هي درس عميق للمجتمع كله هي رسالة، تقول: إن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل يمكن أن تكون بداية لحياة مميزة مليئة بالإنجازات النجاح هنا لم يكن ملكاً لغزل وحدها بل كان ثمرة تضافر جهود العائلة والمدرسة والأصدقاء والمجتمع.. إن ما حققته غزل يضع أمامنا مسؤولية أكبر أن نؤمن بقدرات ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن نوفر لهم الدعم اللازم ليتحولوا من متلقين للمساعدة إلى صانعين للإنجاز..

وتبقى مسيرة غزل إبراهيم الجوراني شاهداً على أن العتمة لا تلغي النور، وأن العيون- وإن عجزت عن الرؤية، فإن القلوب المؤمنة والعقول المتقدة قادرة على أن تبصر أبعد مما نتصور.. هي ابنة سوريا التي علمتنا أن النجاح لا يقاس بعدد الحواس السليمة، بل بمدى الإصرار على التعلم والإيمان بالذات.. قصة غزل ليست النهاية بل هي بداية لمسار طويل من الإلهام الذي يمكن أن يشعل شموع الأمل في دروب الكثيرين.

آخر الأخبار
لجنة "الاستثمار العقاري" تطلق رؤيتها لـ "إعمار بيد سورية" الرئيس الشرع: سوريا في عهد جديد مع واشنطن وترتيبات أمنية مع "إسرائيل" المزاج الرقمي السوري يفكّك "بالون الاختبار" الروسي.. ما وراء تسريبات لافروف؟ كأس العالم للناشئين.. ألمانيا والبرازيل للدور الثاني متصدرين الأولمبي يواجه نظيره الأردني ودياً فرساننا يعتلون منصات التتويج في دبي حضور مُشرف لربّاعنا الكاتب في التضامن الإسلامي فريتز يحلق في تورينو وسينر يسرق الأضواء زيارة الرئيس الشرع للبيت الأبيض.. تحوّل المسار السوري وتوازنه إقليمياً ودولياً تصريحات أميركية بعد اجتماع الشرع مع ترامب بعد دقائق من دخول الشرع إلى "البيت الأبيض".. الخزانة الأميركية تصدر قراراً مهماً  مركز للتصوير بالأمواج فوق الصوتية في مركز الأورام بمستشفى اللاذقية الجامعي  الرئيس الشرع يصل "البيت الأبيض" ويبدأ محادثاته بجلسة مغلقة إعادة تأهيل 320 مدرسة في إدلب زيارة الرئيس الشرع لـ"البيت الأبيض".. ماذا تريد واشنطن من لقاء دمشق؟ بعد 116 يوماً على اختطافه.. الدفاع المدني يجدد مطالبته بالإفراج عن حمزة العمارين سوريا تطرق أبواب "التحالف الدولي".. هذه أبرز الانعكاسات على الخرائط السياسية والعسكرية   ثلاث مشاجرات وحالة إغماء.. حصيلة يوم في "كهرباء حمص"..!  30 ألف مستفيد سنوياً من خدمات مركز الإعاقة ومصابي الحرب وفد سويسري – ألماني يضع ملامح تطوير التعليم المهني في دمشق