من إدلب إلى نيويورك.. الرئيس  الشرع وصياغة نسخة جديدة من الإسلام السياسي الوطني

سلطان الكنج:

قبل عام واحد، لم يكن المشهد السوري يوحي بأن قائداً ميدانياً، نشأ في بيئة فصائلية معقدة، قادر على عبور المسافة من إدلب المحاصرة إلى أروقة نيويورك الدبلوماسية.

الرئيس أحمد الشرع، الذي ارتبط اسمه في بداياته بالوجوه القيادية للفصائل الإسلامية، نجح في إعادة تعريف نفسه ومشروعه السياسي بطريقة فاجأت خصومه وأصدقائه على حد سواء.

تحول الرجل من مطارَد وموضوع على لوائح الإرهاب الأميركية إلى رئيس يتقن المناورة والتفاوض، قادر على التوفيق بين الهوية الإسلامية والانتماء الوطني، وبين الحاجة إلى الواقعية السياسية بعيداً عن ضغط الشعارات العقائدية الجامدة.

التركيز على البوصلة الأساسية

منذ الأيام الأولى لتأسيس جبهة النصرة، أدرك الشرع أن  محاربة الغرب ليست في مصلحة الهدف الأساس الذي هو إسقاط النظام، لذلك، ضبط الخطاب داخل حركته، وحصره في بوصلة استراتيجية واحدة: محاربة النظام السوري.

بهذا القرار، كبح جماح التيارات الرافضة لهذه السياسة وشذبها،  ونجح في تحييد الخطاب الأيديولوجي الذي كان سيستنزف الطاقات ويضعف حضورها الشعبي.

وهنا بدأت تتجلى أول ملامح اختلافه عن التجارب الإسلامية السابقة.

عقلية التنظيم وإدارة الصعوبات

سنوات إدلب لم تكن مجرد تجربة فصيلية تقليدية، بل كانت مدرسة لإدارة الأزمات المعقدة.

تعلم الشرع كيفية الحفاظ على تماسك جماعته وسط الانقسامات الداخلية والضغوط الخارجية.

أعاد بناء البنية التنظيمية على شكل «حكومة محلية»، أنشئت فيها مؤسسات خدمية وإدارية، ما حول الفصيل المسلح إلى قوة حكم محلي، ومنحه الفرصة لإثبات أنه ليس مجرد قائد عسكري، بل رجل دولة قادر على إدارة التفاصيل المعيشية والاقتصادية والاجتماعية.

المزاوجة بين الإسلامي والوطني

ما ميّز تجربة الشرع عن غيرها هو المزاوجة الدقيقة بين الهوية الإسلامية والانتماء الوطني السوري.

لم يتخلَّ عن المرجعية الدينية، لكنه لم يجعلها مطلقة أو معزولة عن الواقع.

قدم الإسلام السياسي بصيغة وطنية شاملة، لا تتعارض مع متطلبات المجتمع، ولا تُقصي المكونات الأخرى.

هذه النسخة الجديدة جذبت قطاعات أوسع من السوريين، بما في ذلك من كانوا متحفظين على أي خطاب ديني سابق.

الشرع أدرك أن محاربة التشدد لا يمكن أن تتحقق بالحلول الأمنية وحدها، فتبنى مقاربة منهجية لإعادة صياغة التفكير السياسي، لم يكتفِ بضبط الأصوات المتطرفة، بل عمل على تغيير البيئة التي تنتجها، وهو ما بدا مقنعاً للولايات المتحدة، التي وجدت فيه طرفاً محلياً قادراً على مواجهة التطرف بأسلوب سياسي متقدم بعيد عن المقاربة العسكرية التقليدية.

من المطاردة إلى التفاوض

المفارقة الكبرى أن الرجل الذي كان مطلوباً على لوائح العقوبات أصبح فيما بعد يجلس على طاولة الحوار مع ملاحقيه السابقين، الذين تحولوا إلى معجبين بشخصيته وقدرته على التوازن. لم يكن هذا التحول نتيجة صدفة، بل ثمرة مسار طويل من ضبط الخطاب وإدارة التوازنات، حيث أعاد صياغة ماضيه ضمن منطق سياسي جديد: التركيز في السنوات الأخيرة على إسقاط النظام وتخفيف حدّة الشعارات المعادية للغرب، وإرسال إشارات طمأنة لمن يراقب المشهد الدولي.

الشرعية المحلية قبل الشرعية الدولية

قبل أن يثبت نفسه على الساحة الدولية، حرص الشرع على ترسيخ شرعية محلية متينة، من خلال لقاءات مع شخصيات اجتماعية ووجهاء محليين من مختلف المشارب الفكرية والسياسية، ما مكنه من تقديم نفسه كقائد ينبثق من المجتمع، وليس فوقه.

هذه الشرعية شكلت رصيداً تفاوضياً استراتيجياً، منحته مصداقية إضافية عند التعامل مع الفاعلين الدوليين، وجعلته أكثر تجذراً وواقعية في فهم المشهد السوري.

خلاصة: نسخة فريدة في المشهد الإسلامي

رحلة أحمد الشرع من إدلب إلى نيويورك ليست مجرد انتقال جغرافي، بل تحول فكري وسياسي استثنائي.

قدم نسخة جديدة من الإسلام السياسي: إسلامية في مرجعيتها، وطنية في توجهها، واقعية في أدواتها.

هذه الصيغة الفريدة تميّزه عن التجارب السابقة، سواء تلك التي غرقت في شعارات عالمية أو تلك التي ذابت في تسويات بلا رؤية واضحة.

تجربة الشرع تمثل محطة فارقة في تاريخ الحركات الإسلامية، وتثبت أن التحول ممكن، وأن الطريق من إدلب إلى نيويورك قد يختصر أحياناً بمقدار ما يضيف من واقعية وحكمة سياسية ورؤية متقدمة.

آخر الأخبار
بانة العابد تفوز بجائزة السلام الدولية للأطفال 2025   لبنانيون يشاركون في حملة " فجر القصير"  بحمص  ابتكارات طلابية تحاكي سوق العمل في معرض تقاني دمشق  الخارجية تدين زيارة نتنياهو للجنوب السوري وتعتبرها انتهاكاً للسيادة  مندوب سوريا من مجلس الأمن: إسرائيل تؤجج الأوضاع وتضرب السلم الأهلي  الرئيس الشرع يضع تحديات القطاع المصرفي على الطاولة نوح يلماز يتولى منصب سفير تركيا في دمشق لأول مرة منذ 13 عاماً  الجيش السوري.. تحديات التأسيس ومآلات الاندماج في المشهد العسكري بين الاستثمار والجيوبوليتيك: مستقبل سوريا بعد رفع العقوبات الأميركية الأولمبي بعد معسكر الأردن يتطلع لآسيا بثقة جنوب سوريا.. هل تتحول الدوريات الروسية إلى ضمانة أمنية؟ "ميتا" ساحة معركة رقمية استغلها "داعش" في حملة ممنهجة ضد سوريا 600 رأس غنم لدعم مربي الماشية في عندان وحيان بريف حلب من الرياض إلى واشنطن تحول دراماتيكي: كيف غيرت السعودية الموقف الأميركي من سوريا؟ مصفاة حمص إلى الفرقلس خلال 3 سنوات... مشروع بطاقة 150 ألف برميل يومياً غياب الخدمات والدعم يواجهان العائدين إلى القصير في حمص تأهيل شامل يعيد الحياة لسوق السمك في اللاذقية دمشق.. تحت ضوء الإشارة البانورامية الجديدة منحة النفط السعودية تشغل مصفاة بانياس لأكثر من شهر مذكرة تفاهم مع شركتين أميركيتين.. ملامح تحول في إنتاج الغاز