الثورة -فؤاد الوادي:
بين الحذر والتردد، تمضي خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حقل من الألغام التي قد ينفجر بها في أي لحظة، في ضوء الغموض والضبابية التي تعتري الكثير من بنودها، والتي هي في حقيقة الأمر إنتاج لواقع احتلالي جديد على قطاع غزة بصبغة دولية وسيطرة إسرائيلية كاملة لجهة المراقبة والتنفيذ والتدخل في أي لحظة للهجوم والعدوان على الفلسطينيين في القطاع.
وبرغم الترحيب العربي والدولي الذي لاقته الخطة، إلا أن توقعات كبيرة برفض أطراف فلسطينية بينها “حماس، لتلك الخطة كونها تكرّس السيطرة الإسرائيلية على القطاع الذي يشهد إبادة جماعية منذ عامين، فضلاً عن أنها تلبّي كامل الشروط الإسرائيلية التي روّجها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزراؤه المتطرفون في جولات التفاوض الأخيرة، مبررين تنصّلهم من مقترحات سابقة لوقف الإبادة.
وقد قوبلت الخطة التي أعلن عنها ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة بترحيب من قادة وزعماء العالم، وسط مطالبات بالعمل على وضع حد للإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في غزة وإنهاء معاناة مئات آلاف من الفلسطينيين المحاصرين والمجوعين.
وأعلن الرئيس الأميركي بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض أمس الاثنين تفاصيل ما قال إنها خطة شاملة لإنهاء الصراع في غزة.
وتنص الخطة على إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين ونزع سلاح حركة حماس، كما تنص على أن تدار غزة مؤقتا عبر لجنة فلسطينية انتقالية تكنوقراطية، مسؤولة عن إدارة الخدمات العامة تحت إشراف هيئة انتقالية دولية تسمى “مجلس السلام” يرأسها ترامب.
وأضاف ترامب إن الدول العربية والإسلامية ستكون مسؤولة عن التعامل مع حركة حماس، وهدد بأن الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل في حال رفض حماس للخطة.
وتوالت ردود الفعل الدولية المرحبة بالخطة الجديدة، وبادرت العديد من الدول إلى المطالبة باستغلال الفرصة من أجل التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب على غزة.
غير أن محللين و مراقبين حذروا من أنّ بنود الخطة يشوبها الغموض وتفتقد الضمانات، فيما يبدو قبولها فلسطينياً أمراً بالغ الصعوبة، لكونها تحقق الشروط الإسرائيلية.
وقال الباحث في الشأن السياسي محمد الأخرس لموقع ” العربي الجديد ” إنّ “ما قدّمه ترامب وتلقّفه بنيامين نتنياهو في خطابه، لا يمكن النظر إليه على أنه خطة لإنهاء الحرب، بل حزمة أفكار عامة بلا أي ضمانات أو إلزامات حقيقية للاحتلال”.
وأضاف الأخرس: إنّ جوهر المقترح يقوم على تكريس “السيطرة الأمنية” الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو ما يعني عملياً استمرار عمليات القتل والاستهداف الممنهجة ضد الفلسطينيين، تحت غطاء تفاوضي لا يغيّر من واقع الاحتلال شيئاً، مشيراً إلى أن بنود الخطة اتسمت بالغموض والعمومية، باستثناء النقطة المتعلقة بالمحتجزين الإسرائيليين، إذ فُصِّلَت مواعيد الإفراج عنهم.
وربطت الخطة الانسحاب الإسرائيلي التدريجي بمسألة “نزع سلاح” حماس وتحديد آليات نشر قوات دولية داخل القطاع.
وبين الأخرس أنّ هذا الشرط يفتح الباب أمام مفاوضات طويلة الأمد قد تستمر لأشهر، خصوصاً أن الخلافات ستتركز حول هوية تلك القوات، وطبيعتها القانونية، وحدود انتشارها، الأمر الذي يجعل وقف الحرب بعيد المنال.
ورأى الأخرس أن الخطة تمثل انقلاباً سياسياً وقانونياً على الوضعية التاريخية للفلسطينيين في أراضي 1967، إذ تعني عملياً نهاية مرحلة أوسلو بكل ما ترتب عنها من هياكل سياسية وإدارية، “فالهيئة الدولية المؤقتة التي يجري الحديث عنها ستتحول إلى كيان دائم، وستجد السلطة الفلسطينية نفسها مُلحقة بها وتابعة لقراراتها، ما يهمش دورها ويقوض أي استقلالية متبقية لها”، وفق قوله.
كذلك ،اعتبر الباحث في الشأن الإسرائيلي، سليمان بشارات، أنّ الخطة الأميركية الأخيرة صُممت بالأساس لتمنح إسرائيل الأفضلية المطلقة في تحديد مستقبل القطاع ومآلات الحرب.
وقال بشارات، لـ”العربي الجديد”، إن الاعتراضات التي أبدتها بعض أقطاب اليمين الإسرائيلي، مثل الوزيرين المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، لا تتجاوز كونها جزءاً من لعبة سياسية اتبعتها حكومة نتنياهو، هدفها الإيحاء بأنها ترفض التنازل عن “السيادة الكاملة” على القطاع، بينما تكشف بنود الخطة في جوهرها أنها تلبّي كل الشروط التي وضعتها إسرائيل مسبقاً.
وقال بشارات إنّ البند الأخطر “يتمثل باشتراط نزع سلاح المقاومة الفلسطينية وتفكيك بنيتها التحتية العسكرية، مقابل تحويل غزة إلى منطقة إدارية تحت وصاية دولية بقيادة توني بلير وبرعاية أميركية مباشرة، ووفق هذا التصور، ستكون المرجعية النهائية لإسرائيل، التي ستظل الحاكم الفعلي لكل تفاصيل المشهد في غزة، حتى لو ظهرت صيغة دولية شكلية لإدارة القطاع”.
وبيّن بشارات أن الخطة تربط إعمار غزة مباشرةً بالقبول بسحب سلاح المقاومة، وهو ما يضع الفلسطينيين أمام ابتزاز مستمر، شبيه بما يجري في لبنان منذ أكثر من عام، حيث ما زال ملف الإعمار هناك رهينة للضغط الأميركي والإسرائيلي ومرتبطاً بمصير سلاح حزب الله. وذكر أن الولايات المتحدة تحاول تمرير هذا النموذج باعتباره “رؤية مستقبلية” للحل في غزة، بينما هو في جوهره تجسيد للأهداف الإسرائيلية بعيدة المدى، حيث تبقى إسرائيل الطرف المستفيد والمتحكم في كل تفاصيل العملية.
أما الباحث السيياسي باسم التميمي، فقد قال بدروه إن ترحيب المستوى الرسمي الفلسطيني يأتي “لمنع وضع القضية الفلسطينية في زاوية الانحسار على المستوى الدولي بعد ما تحقق من إنجازات”، مضيفا أن الخطة وضعت شروطا تضمن وقف إطلاق نار ووضع حد للعدوان، وتحدثت عن أفق للدولة الفلسطينية وعن الإقرار بالحقوق الوطنية الفلسطينية.
وأشار في حديث ” للجزيرة نت” إلى إعلان الدول الثماني العربية والإسلامية مشاركتها في صياغة خطة ترامب، وإعلان غالبية دول العالم المعنية الموافقة عليها، في وقت صرح فيه نتنياهو بأنه أخرج إسرائيل من العزلة على الساحة الدولية، و”وضع الشعب الفلسطيني والقيادة وحركة حماس في العزلة وفي زاوية الموافقة على الخطة”.
هذا وتوالت ردود الفعل الدولية المرحبة بالخطة الجديدة، وبادرت العديد من الدول إلى المطالبة باستغلال الفرصة من أجل التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب على غزة.