الثورة- نور جوخدار:
في مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات، أي في 30 أيلول 2015، بدأت روسيا تدخلها العسكري المباشر في سوريا، في أول عملية عسكرية لها خارج الاتحاد السوفييتي منذ تفكّكه في عام 1991، وشكّل هذا التدخل نقطة تحوّل محورية في مسار الحرب السورية، إذ انتقل نظام الأسد المخلوع وقتها من مرحلة الانهيار إلى استعادة السيطرة على مساحات واسعة من البلاد قبل أن يسقط في كانون الأول 2024 ويتحول إلى لاجئ لدى موسكو.
فمنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 وفرت روسيا دعماً سياسياً ولوجستياً للنظام مستخدمة حق النقض الفيتو ضد القرارات الأممية التي أدانته، ومع اتساع سيطرت المعارضة السورية حينها على ثلث البلاد عام 2015، جاء التدخل الروسي بذريعة “الحفاظ على مؤسسات الدولة ومنع تحوّل سوريا إلى بؤر للإرهاب” بحسب الكرملين آنذاك.
وحسب مركز جسور للدراسات، فإن هدف روسيا من تواجدها العسكري هو “تحقيق مصالحها على المستوى الجيوسياسي مستفيدة من موقع سوريا الاستراتيجي المطل على البحر الأبيض المتوسط”.
وبحسب دراسة أجراها المركز بلغ عدد المواقع العسكرية للقوى الخارجية في سوريا حتى منتصف عام 2023 نحو 830 موقعاً عسكرياً، منها 105 مناطق تحت السيطرة الروسية تتوزع بين 20 قاعدة عسكرية و85 نقطة عسكرية أبرزها قاعدة حميميم الجوية تقع في اللاذقية، وتبلغ مساحتها 1.6 مليون متر مربع، ويشغل مهبطها الجوي قرابة 2800 متر مربع، وتحتوي 35 طائرة حربية، و80 طائرة مسيرة، ومنظومة صواريخ إس 400، ومركز استخبارات وقوات برية تتبع الجيش الرابع الروسي، كانت مهمتها تنفيذ عمليات عسكرية ضد المعارضة السورية.
قاعدة طرطوس البحرية مزودة بصواريخ إس-300، وتعد نقطة الانتشار الروسية الوحيدة في البحر المتوسط، مع قدرة على مراقبة نشاط قوات الناتو.
مطار القامشلي يضم أكثر من 100 عسكري روسي بين خبراء وضباط مخابرات ومستشارين، مع محطات تنصت.
مطار الشعيرات ومطار كويرس وجبل زين العابدين: مواقع استراتيجية لتغطية مناطق وسط وشمال شرق سوريا، تشمل قوات برية، راجمات صواريخ متطورة، ونظم حرب إلكترونية مختصة في التشويش والتنصت.
وتنتشر المواقع الروسية أيضاً في أماكن أخرى تتمركز فيها، منها مطار حماة العسكري وقاعدة إسطاو الجوية وتقع شمال حميميم ومطار تي 4 الواقع شرق حمص وقاعدة تدمر في ريف حمص الشرقي.
وعلى الرغم من المكاسب الجيوسياسية، ارتكبت روسيا انتهاكات كبيرة، ووفق تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان أيلول 2024 فإن التدخل الروسي تسبب في مقتل أكثر 6 آلاف مدني، بينهم أكثر من ألفي طفل حتى عام 2018، وارتكاب ما لا يقل عن 362 مجزرة، و954 حادثة اعتداء في أماكن مدنية.
مع اندلاع حربها في أوكرانيا عام 2022، قلصت موسكو وجودها العسكري في سوريا من 132 إلى 105 مواقع، مركزة قواتها على الساحل السوري والمناطق الغنية بالنفط والغاز شمال شرق البلاد، بينما ملأت إيران الفراغ في محافظتي درعا والقنيطرة، ومع تصاعد التوتر الإقليمي بعد معركة طوفان الأقصى في قطاع غزة في 7 تشرين الأول 2023، عززت موسكو انتشارها مجدداً في الجنوب السوري قرب درعا والقنيطرة القريبتين من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
على الرغم من رهانها الطويل على الأسد ومنحه اللجوء، حرصت موسكو على فتح صفحة جديدة مع القيادة السورية الجديدة، وتُعدّ الزيارة المرتقبة للرئيس أحمد الشرع إلى روسيا مؤشّراً على توازن بين النفوذ الروسي والواقع السوري الجديد.