نقل المشكلة من قلب العاصمة إلى خاصرتها.. باب شرقي يتنفس على حساب الكسوة

الثورة – لينا شلهوب :

تحوّل مدخل محافظة دمشق مؤخراً إلى ساحة اعتراض، بعدما قرر عشرات من أهالي مدينة الكسوة أن يرفعوا أصواتهم ضد قرار يرونه جائراً، فبينما يسعى المسؤولون لإنقاذ باب شرقي، أحد أعرق أبواب دمشق التاريخية، من روائح النفايات وتداعياتها، وجد الأهالي أنفسهم أمام معضلة جديدة، تتمثل بنقل المشكلة من قلب العاصمة إلى خاصرتها الجنوبية.

المشهد بدا واضحاً، لافتات كتب عليها “الكسوة ليست مكباً”، و”نريد بيئة نظيفة لا مقبرة صحية”، وهتافات تنادي بإيجاد حلول، وبين الغضب والخوف، تعالت أصوات المواطنين لتضع قضية إدارة النفايات في دمشق تحت المجهر.

البحث عن بديل سريع

لم يكن قرار نقل المكب اعتباطياً، فباب شرقي ليس مجرد حي، بل أيقونة أثرية تعود لآلاف السنين، وتحتضن كنائس وجوامع مسجلة على لائحة التراث العالمي، ومع تزايد الشكاوى من تلوث المنطقة، بدا الخيار الأقرب للجهات المعنية هو البحث عن بديل سريع، لكن البديل الذي طرح وهو على أطراف مدينة الكسوة، اعتبره الأهالي حلاً غير عادل، بل ترحيل أزمة من مكان إلى آخر، من دون معالجة جذرية، في إطار ذلك استطلعت “الثورة” آراء بعض المواطنين.

المواطن سليم عبيد قال: نحن مع حماية دمشق القديمة، لكن لماذا على الكسوة أن تتحول إلى مكب جديد، هذه أرضنا ومصدر رزقنا.

المزارع أبو عبد الله الحمو حذّر بقوله: الأراضي هنا تزرع القمح والخضار، وإذا تلوثت المياه الجوفية، فلن يبقى لنا زراعة ولا مصدر دخل.

التلوث يطرق الأبواب

تقرير خبراء بيئيين يؤكد أن إقامة مكب للنفايات في منطقة مثل الكسوة، يحمل عدة مخاطر، تتمثل بتلوث المياه، فعصارة النفايات قد تتسرب إلى الآبار الجوفية، ما يهدد سلامة مياه الشرب، كذلك انتشار الأمراض، إذ إن النفايات تجذب الحشرات والجرذان، وهو ما يرفع نسب الأمراض الجلدية والتنفسية، إضافة إلى الأضرار التي تلحقها بالزراعة، وأن الكسوة معروفة ببساتينها ومزارعها، ما يجعلها بيئة حساسة أمام أي تلوث، فضلاً عن ذلك، بما تتعرض قيمة العقارات إلى تراجع، فإن مكب النفايات قرب الأحياء السكنية يعني فقدان جاذبية الاستثمار في المنطقة.

ما يثير قلق الخبراء أن مشكلة النفايات في دمشق لا تقتصر على مكان المكب، بل تعكس ضعف البنية التحتية، إذ لا توجد مصانع كافية لإعادة التدوير، علاوة على غياب التمويل الكافي لمشاريع بيئية طويلة الأمد، والاعتماد على حلول سريعة بدل خطط مستدامة، كذلك ضعف التواصل مع المجتمع المحلي عند اتخاذ القرارات.

من الشارع إلى طاولة القرار

العديد من الأهالي لم يكتفوا بالرفض، بل طرحوا بدائل يرونها أكثر عدلاً، منها إنشاء معامل لإعادة التدوير بدلاً من الاعتماد على المكبات، واختيار مواقع بعيدة ومدروسة علمياً بعيداً عن الأراضي الزراعية والسكنية، كذلك توزيع النفايات على أكثر من محطة معالجة صغيرة بدلاً من تكديسها في نقطة واحدة، مع إشراك المجتمع المحلي في القرارات البيئية، وتقديم تعويضات أو خدمات للمنطقة المتأثرة، بالإضافة إلى استخدام النفايات لإنتاج الطاقة عبر محطات حديثة تحول القمامة إلى مصدر كهرباء.

فيما أكد الخبير البيئي بلال الحايك، أن الاعتماد على المكبات التقليدية لم يعد مقبولاً في القرن الحادي والعشرين، منوهاً بأن القضية ليست في أين نضع النفايات، بل كيف نديرها، مشيراً إلى أن نقل المكب من باب شرقي إلى الكسوة لن يحل المشكلة، بل سينقل التلوث من منطقة إلى أخرى، المطلوب الاستثمار في معامل فرز ومعالجة، واستخدام تقنيات إنتاج الطاقة من النفايات، وهي حلول أثبتت نجاحها في دول عديدة.

كما لفت إلى أن دمشق بحاجة إلى خطة متكاملة لإدارة النفايات، تبدأ من فرز القمامة في المنازل، وصولاً إلى إعادة التدوير وإنتاج الطاقة، مع ضرورة إشراك المواطنين في هذه العملية وهو أمر أساسي، لأن الوعي المجتمعي يقلل من حجم النفايات بنسبة تصل إلى 40 بالمئة، موضحاً أن القضية اليوم ليست بيئية فقط، بل صحية واقتصادية أيضاً، وإذا استمرت الحلول الترقيعية، فسندفع ثمناً باهظاً خلال سنوات قليلة، أما إذا استثمرنا في الحلول العلمية المستدامة، فستتحول النفايات من عبء إلى مورد.

يذكر أن محافظة دمشق أعلنت بدء تنفيذ عملية نقل مكب النفايات الواقع في منطقة باب شرقي إلى موقع بديل مناسب، بهدف تحسين الواقع الخدمي في المدينة، والحفاظ على أصالة الأحياء التاريخية وسلامة المواطنين الصحية.

في النهاية، يبقى السؤال مطروحاً: هل تتجه دمشق نحو حلول بيئية مستدامة تحمي تراثها وسكانها معاً، أم تظل تدفع بمشكلاتها من حي إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى؟.

آخر الأخبار
تعاون رقابي مشترك بين دمشق والرباط تراجع الأسطول الروسي في "المتوسط".. انحسار نفوذ أم تغيير في التكتيكات؟ إطلاق الكتاب التفاعلي.. هل يسهم في بناء نظام تعليمي متطور؟  خبز رديء في بعض أفران حلب "الأنصارية الأثرية" في حلب.. منارة لتعليم الأطفال "صناعة حلب" تعزز جسور التعاون مع الجاليات السورية والعربية لبنان: نعمل على معالجة ملف الموقوفين مع سوريا  شهود الزور.. إرث النظام البائد الذي يقوّض جهود العدالة التـرفـع الإداري.. طوق نجاة أم عبء مؤجل؟ سقف السرايا انهار.. وسلامة العمال معلقة بلوائح على الجدران أبطال في الظل في معهد التربية الخاصة لتأهيل المكفوفين لماذا قررت أميركا تزويد أوكرانيا بعيونها الاستخباراتية لضرب عمق روسيا؟ ختام مشروع وبدء مرحلة جديدة.. تعزيز المدارس الآمنة والشاملة في سوريا شراكة مجتمعية لترميم مدرسة في الضمير إسرائيل تمنع 14 سفينة مساعدات لغزة وتثير انتقادات دولية "حماس" تدرس خطة ترامب.. والبيت الأبيض ينتظر الرد مبعوث جديد إلى سوريا.. فهل من دور؟ مقاومة المضادات الحيوية.. استراتيجية لمواجهة تهديد عالمي مشترك استراتيجية "قسد" في تفكيك المجتمعات المحلية ونسف الهوية الوطنية ملتقى التوظيف جسر نحو بناء مستقبل مهني لطالبي العمل