الاستخدام منزلي والتسعيرة “صناعية”.. فواتير الكهرباء تثقل أهالي حي الكلاسة بحلب

الثورة – جهاد اصطيف:

لم تعد فواتير الكهرباء في حي الكلاسة بحلب مجرد أرقام على ورق، بل تحولت إلى كابوس يطارد الأهالي مع كل دورة جديدة، العديد من الشكاوى وصلت إلى صحيفة “الثورة” من سكان الحي الذين تفاجأوا بقيم مالية باهظة على فواتيرهم المنزلية، تفوق أضعاف قدرتهم المعيشية.

المشكلة بدأت مع صدور قرار وزاري في نيسان الماضي، قضى بتحديد تعرفة الكيلو واط الساعي على الخطوط المعفاة من التقنين بـ1500 ليرة سورية، وهو ما شمل المنازل السكنية الواقعة في المناطق الصناعية بحلب، لكونها تستفيد من عدد ساعات تغذية الكهرباء نفسه المخصص للورشات والمعامل.

غير أن القرار، الذي قصد منه تنظيم استهلاك الكهرباء وضبط التكاليف في المناطق الصناعية، انعكس بصورة قاسية على بيوت لا علاقة لها بالإنتاج الصناعي، فأضحى سكانها يعاملون وكأنهم أصحاب معامل، بينما هم مجرد أسر فقيرة تعيش على راتب تقاعدي أو دخل محدود بالكاد يسد الرمق.

في هذه السطور، نسلط الضوء على قصص من قلب الحي، ونستعرض آراء الأهالي، وتوضيحات الشركة العامة للكهرباء في حلب، ثم نحلل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للمسألة، قبل أن نختم بسؤال مركزي يفرض نفسه: كيف يمكن تحقيق العدالة بين متطلبات تنظيم استهلاك الطاقة وحق المواطنين في حياة كريمة؟

من قلب المعاناة

أبو خالد موظف متقاعد، يجلس في غرفة صغيرة تضيئها “لمبة” يتيمة، ويعرض فاتورته الأخيرة بعينين دامعتين، يقول: تخيل يا بني أن الفاتورة بلغت أكثر من مليون ليرة سورية، وراتبي التقاعدي حالياً لا يتجاوز 900 ألف ليرة! من أين نكمل ثمن سداد فاتورة الكهرباء؟ وماذا بقي لي ولزوجتي بعد دفع قيمة الفاتورة ؟ ليس لدينا سوى براد وتلفزيون ومروحة قديمة، نحن ندفع ثمن قرار لا علاقة لنا به.

أم أرملة، معيلة تعيش في الطابق الثالث من بناء متواضع بالكلاسة مع أطفالها الثلاثة، دخلها الوحيد ما يرسله ابنها المغترب، تقول: عندما استلمت الفاتورة، لم أصدق عيني، المبلغ يعادل ما أحتاجه لإطعام أولادي لشهر كامل، فكرت جدياً أن أقطع الكهرباء نهائياً، وأعتمد على الشموع أو”لمبة” تعمل بالبطارية، كيف نعيش هكذا ؟

أبو صالح، أعمال حرة يحمل معوله كل صباح بحثاً عن عمل يومي، دخله غير ثابت، بالكاد يؤمن طعام أسرته، يوضح معاناته : في النهار نكون خارج البيت، واستهلاكنا بسيط جداً، ومع ذلك تعامل بيوتنا وكأنها معامل ضخمة، لماذا لا يفرقون بين بيت صغير وورشة كبيرة؟.حاجة مسنة وحيدة بالغة من العمر 70 عاماً، تسكن في غرفة صغيرة ورثتها عن زوجها الراحل، تقول بحزن: أعيش على المساعدة التي يقدمها الجيران، عندما أخبرني الجار أن الفاتورة أكثر من 900 ألف ليرة، انهرت من البكاء، لا أملك هذا المبلغ حتى لو بعت أثاثي القليل.
هذه القصص ليست سوى نماذج من عشرات الحالات التي تتكرر في حي الكلاسة، حيث تحولت الفواتير إلى عبء يهدد الأمن المعيشي للأهالي، ويدفع بعضهم للتفكير في مغادرة منازلهم أو العيش بلا كهرباء.

تقرير لإعادة النظر

في مواجهة هذه الأصوات، أوضح مدير شركة الكهرباء في حلب، المهندس محمود الأحمد في تصريح إعلامي، أن الشركة تتابع الشكاوى بجدية، وقال: قمنا بتسجيل كل الشكاوى الواردة من المواطنين ورفعنا تقريراً مفصلاً إلى الوزارة لإعادة النظر في آلية احتساب الفواتير، مع الأمل أن يتم إيجاد حل قريباً.

وأضاف الأحمد: إن القرار الوزاري الذي صدر منتصف نيسان الماضي، نص على تحديد تعرفة مبيع الكيلو واط الساعي بـ1500 ليرة سورية للخطوط المعفاة من التقنين في المناطق الصناعية، وبين أن هذه المناطق تضم عدداً كبيراً من المنازل السكنية التي تستفيد من ساعات التغذية نفسها، ما جعلها مشمولة بالقرار بشكل تلقائي.

سعي لصيغة عادلة

وأشار إلى أن محافظة حلب وحدها تضم أكثر من 13 منطقة صناعية تحتوي على منازل مأهولة، الأمر الذي يفسر اتساع رقعة الشكاوى، وختم بالقول: نحن ندرك أن هناك ظلماً لعدد من الأسر الساكنة في المناطق الصناعية، ونسعى مع الوزارة لإيجاد صيغة عادلة تراعي ظروفهم.

معضلة تحتاج إلى حل

المعضلة هنا تكمن في التداخل بين الطابع الصناعي والسكني للحي، فعلى الرغم من أن الكلاسة تعرف كمنطقة صناعية، إلا أنها تضم مئات الأسر التي تسكن منذ عقود في أبنية متواضعة وسط الورشات، القرار الوزاري لم يميز بين هذه الفئات، فكانت النتيجة تحميل الأسر الفقيرة أعباء مالية موازية لأصحاب المعامل.

من الناحية الاقتصادية، يشكل هذا الوضع ضغطاً مضاعفاً على الدخل الأسري المحدود، راتب الموظف أو العامل اليومي، لا يمكن أن يغطي فواتير كهرباء تتجاوز مئات آلاف الليرات، وخصوصاً مع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والمحروقات والإيجارات.

أما من الناحية الاجتماعية، فالمشكلة تهدد الاستقرار المعيشي للأهالي، إذ يضطر بعضهم إلى الاستدانة أو الاستغناء عن الكهرباء نهائياً، ما يعني العودة إلى وسائل بدائية في الإنارة والطبخ والتدفئة، في الوقت ذاته، تتنامى مشاعر الإحباط والظلم لدى السكان الذين يشعرون أنهم يدفعون ثمن موقع جغرافي لم يختاروه. كما أن هذه الأزمة قد تدفع إلى نزوح داخلي جديد، حيث يفكر بعض الأهالي بترك منازلهم في الكلاسة والبحث عن أحياء سكنية أخرى، وهو ما يزيد الضغط على مناطق المدينة المكتظة أصلاً.

المقارنة والتجارب الأخرى

تجارب مشابهة، كما علمنا، حدثت في أحياء صناعية أخرى بحلب مثل الشعار والعرقوب، حيث يعيش السكان مع الورشات جنباً إلى جنب، في بعض الحالات، جرى التمييز بين الاستهلاك المنزلي والصناعي من خلال العدادات المنفصلة أو تخفيضات استثنائية.لكن في الكلاسة، يغيب هذا الفصل بوضوح، ما أدى إلى تطبيق التعرفة الصناعية بشكل مباشر على كل منزل، و ما يطالب به الأهالي ببساطة هو آلية عادلة تفرق بين “بيت صغير” و”معمل ضخم”، على غرار ما جرى في مناطق أخرى.

بين فكّي كماشة

يبقى السؤال الأكبر الذي يطرحه سكان الكلاسة: هل من العدل أن يحاسبوا كأنهم أصحاب معامل، بينما هم مجرد أسر فقيرة؟ هل يمكن للوزارة أن تجد صيغة توازن بين ضبط استهلاك الكهرباء وحماية حق المواطن في حياة كريمة؟.حتى يأتي الحل، سيظل الأهالي يعيشون بين فكي كماشة، فاتورة كهرباء تستنزف دخلهم الهزيل، وواقع اقتصادي لا يرحم.

الكلاسة اليوم ليست مجرد حي صناعي، بل حكاية معاناة إنسانية تختصر وجع آلاف السوريين الذين يطالبون فقط بالإنصاف والعدالة.

آخر الأخبار
"العملات الرقمية".. فرصة محفوفة بالمخاطر في ظل غياب الإطار التنظيمي جدلٌ في القطاع الصناعي.. تسهيل الاستثمار أم حماية البيئة؟ دعم التصنيع الغذائي ضرورة استراتيجية الأمن الغذائي في سوريا ليس بخطر تحسين الخدمات وتقلص المساحات الخضراء.. حدائق دمشق تحت مجهر الاستثمار حلب تجمع الفعاليات الطبية وتوحد البوصلة الإنسانية في العمل ارتفاع أجور النقل بين حمص وريفها يؤرق المواطنين الدفاع المدني يواصل جهود الإنقاذ..انهيار جزئي في مبنى السرايا القديم وسط دمشق الاستخدام منزلي والتسعيرة "صناعية".. فواتير الكهرباء تثقل أهالي حي الكلاسة بحلب "الطاقة المتجددة".. جزء من منظومة التعافي الوطني العودة إلى المدرسة.. بداية جديدة لعام واعد رغم التحديات زراعة الزعفران في حمص من المشاريع التنموية الناجحة والواعدة المرأة في الصدارة.. المحامي زهير مارديني.. برلمان سوري جديد شفاف وثوري متابعة ميدانية لاحتياجات العملية التعليمية بدرعا رفع مستوى الجاهزية الخدمية لأرضيات معبر نصيب الحدودي بدرعا وصول الوفد السوري للمشاركة باجتماع قادة مؤتمر ميونيخ للأمن بالعلا تقرير حقوقي يوثق حصيلة الضحايا والانتهاكات في سوريا خلال أيلول/سبتمبر 2025 غير بيدرسون يعلن مغادرته منصبه كمبعوث أممي إلى سوريا ... سوريا تشارك بمؤتمر النقابات العالمي للأعضاء العرب في قبرص درّاجات التوصيل في طرطوس.. فرص عمل ورافد للمشاريع الصغيرة