تحسين الخدمات وتقلص المساحات الخضراء.. حدائق دمشق تحت مجهر الاستثمار

الثورة – ثورة زينية:

وسط تحديات اقتصادية متزايدة واتساع الحاجة لتأمين موارد مالية جديدة لدوائر الخدمات، تطرح محافظة دمشق ملف استثمار الحدائق العامة، كأحد الحلول الممكنة لتحسين واقع العاصمة بشكل عام.

وبين مؤيد يرى في الخطوة فرصة لتطوير الخدمات، ومعارض يخشى من ضياع المتنفسات الخضراء القليلة المتبقية في مدينة دمشق، يبقى الجدل مفتوحاً، وتبقى الأسئلة الكبرى من دون إجابة حاسمة: هل نطور أم نحول؟ هل ننعش أم نفرط؟

بين التنمية والخصخصة الرمزية

واقع الحال يشير إلى أن كثيراً من الحدائق التي خضعت للاستثمار فقدت جزءاً من غطائها النباتي، إما بسبب التعديلات التي أُجريت عليها، أو بسبب البناء الدائم الذي شمل أجزاءً منها، عدد الحدائق في دمشق يتجاوز حاجز الـ 600 حديقة، تنتشر في مختلف أحياء المدينة وتعد المتنفس الرئيسي للسكان في ظل تقلص المساحات المفتوحة وازدياد الكتل الإسمنتية، وعلى الرغم من هذا تبقى نوعية الحدائق وخدماتها محل شكوى دائمة من المواطنين، إذ تعاني كثير منها من الإهمال ونقص في الصيانة وغياب للمرافق الأساسية.

أحد أبرز التخوفات المتداولة بين السكان، هو تحول الحدائق إلى فضاءات خاصة تحت مسمى التطوير، وتفرض رسوم دخول أو يمنع المواطن من الاستفادة منها إلا بشروط تجارية وهو ما يعتبر مساساً مباشراً بالمرفق العام، وفي المقابل يرى بعض المعنيين في محافظة دمشق أن الاستثمار لا يعني بيع الحديقة أو خصخصتها، بل هو عقد خدمة يهدف إلى تحسين المكان وتقديم تجربة حضرية أكثر راحة ونظافة من دون المساس بجوهر المرفق العام.

كما تدافع عن مشاريع الاستثمار باعتبارها حلاً عملياً في ظل نقص التمويل، غير أن الواقع على الأرض لا يبدو دائماً مطابقاً لهذا التبرير، فالكثير من المواطنين يشعرون أن الحديقة التي يعرفونها منذ سنوات لم تعد كما كانت، وأن المساحة المجانية المفتوحة تحولت تدريجياً إلى منطقة نشاط تجاري لا يدخلها إلا من يملك القدرة على الدفع أو استهلاك الخدمات.

الاستثمار: إنقاذ أم تهديد؟

في السنوات الأخيرة، أعلنت المحافظة عن فكرة طرح بعض الحدائق للاستثمار المؤقت عبر عقود محددة تتيح للقطاع الخاص تطوير البنية التحتية ضمن الحديقة مقابل عائد مادي وامتيازات محددة تحت مسميات عدة تتمحور حول الارتقاء بالخدمة من دون المساس بالحق العام.

وبحسب تقديرات سابقة لم يكن نصيب الفرد في دمشق من المساحات الخضراء يتجاوز متراً مربعاً في بعض المناطق، في حين توصي المعايير الدولية بألا يقل عن تسعة أمتار للفرد، ومع غياب تحديث رسمي لهذه البيانات يخشى من أن تكون النسبة قد تراجعت أكثر خلال الأعوام الأخيرة.

المواطن لبيب رسلان يصف الخطوة بأنها مطلوبة ضمن شروط، مؤكداً أن الاستثمار قد يكون مفيداً إذا حافظ على المساحات الخضراء الأساسية ولم يتحول إلى ذريعة لتحويل الحدائق إلى مشاريع تجارية بحتة، مشيراً إلى أن دمشق تعاني أصلاً من نقص حاد في الغطاء الأخضر وخسارة مزيد من المساحات الخضراء تصبح خسارة مضاعفة.

أما المواطن رامي زرزور فيرى أن الاستثمار يعود بالفائدة على المحافظة، حيث يضمن عناية وصيانة مستمرة من المستثمر، لكنه يحذر من أن تتحول الحدائق العامة إلى مطاعم ومقاه فقط، معتبراً أن هذا النوع من التوسع قد لا يكون مقبولاً في جميع الأحياء.

المهندسة آمال زغيب تقطن في حي مقابل حديقة السبكي تقول: ما تحتاجه دمشق اليوم ليس فقط تحسين حدائقها بل إعادة تعريف وظيفتها ودورها في حياة الناس، فالحلول الاقتصادية لا ينبغي أن تبنى على حساب المساحات الخضراء، ولا أن تلبس ثوب التطوير بينما هي في جوهرها تآكل تدريجي للحق العام، فالحديقة ليست فرصة تجارية بل هي رئة المدينة وملاذ المواطن ومؤشر حقيقي على عدالة العمران وكرامة العيش.

وأضافت: استثمار الحدائق قد يكون خطوة في الاتجاه الصحيح إذا خطط له بحكمة لكنه قد يتحول إلى نزيف بيئي واجتماعي إذا تم بمعزل عن المواطن من دون ضوابط واضحة، فالمطلوب اليوم ليس فقط تطوير الحدائق بل تطوير مفهوم الاستثمار الحضري نفسه بما يضع الإنسان في المركز لا على الهامش من أجل الربح فقط.

المواطن نبيه ترجمان، أكد أنه ليس ضد الاستثمار في الحدائق كفكرة يمكن أن تسهم في أن تحسن من مرافقها وبيئتها المخصصة لاستقبال المواطنين، لكنه طالب بأن تنشر تفاصيل العقود الاستثمارية بشكل واضح والمستوى الذي ستظل فيه الحديقة خضراء وحدود البناء أو الأنشطة التجارية إن حصلت، وكيف يمكن للمواطن العادي الاستمرار في الوصول إليها من دون شروط قهرية.

مخاوف مشروعة

الخبير في التخطيط والتنظيم العمراني المهندس ياسر العلبي، أكد أن الاستثمار في الحدائق يجب ألا يكون إعادة تدوير للمساحات العامة لصالح المشاريع الربحية، بل يجب أن يخضع لرؤية تخطيطية متكاملة تحافظ على هوية المدينة البيئية والاجتماعية، موضحاً أن دمشق تعاني أصلاً من تراجع نصيب الفرد من المساحات الخضراء إلى مستويات حرجة جداً، وأي خطوة استثمارية يجب أن تكون مقيدة بضوابط تحمي حق المواطن بالوصول المجاني والمفتوح إلى الحديقة.

وأضاف المهندس العلبي: في ظل غياب تفاصيل علنية واضحة حول العقود الاستثمارية يجب المطالبة بشفافية أعلى في عرض شروط الاستثمار ومدته والأطراف المستفيدة، والمساحة المخصصة لكل نشاط، إضافة لضرورة فتح المجال أمام مبادرات شبابية وأهلية لتبني الحدائق، بدلاً من اقتصارها على المستثمرين التجاريين، مضيفاً: المشكلة لا تكمن فقط في الأرقام بل في غياب رؤية تخطيطية متكاملة توازن بين الحاجة للتنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والهوية العمرانية للمدينة، فعمليات الاستثمار التي تتم غالباً بعقود مباشرة أو عبر مزايدات محدودة لا تخضع أحياناً لمعايير شفافة أو لمشاركة مجتمعية حقيقية، وغالباً المواطن آخر من يعلم، فهو لايعلم متى تم استثمار الحديقة ومن هو المستثمر وما هي شروط العقد، ولا ما الذي سيبقى له من الحديقة في النهاية.

ونوه بأنه في مدينة تعاني من التكدس السكاني والتلوث وضغط الحياة اليومية لا يمكن النظر إلى الحديقة بوصفها مساحة فراغ يمكن استثمارها عند الحاجة، فالحديقة كما يصف الخبير في شؤون التخطيط العمراني ليست أرضاً غير مستغلة، بل هي جزء من توازن المدينة ومن حق السكان التنعم بالراحة النفسية والبيئية، مشدداً على أن الاستثمار فيها إذا لم يكن مدروساً ومحكوماً بضوابط واضحة قد يتحول إلى إضرار مباشر بالصحة العامة، وبالنسيج الاجتماعي والبيئي للعاصمة دمشق.

آخر الأخبار
٥٠ منشأة صناعية جديدة ستدخل طور الإنتاج قريباً في حمص الإعلام على رأس أولويات لقاء الوزير مصطفى والسفير القضاة وزير الإدارة المحلية والبيئة يوجه بإعادة دراسة تعرفة خطوط النقل الداخلي سجن سري في حمص يعكس حجم الإجرام في عهد الأسد المخلوع ميشيل أوباما: الأميركيون ليسوا مستعدين لأن تحكمهم امرأة لجنة السويداء تكسر الصمت: التحقيقات كانت حيادية دون ضغوط الضرب بيد من حديد.. "داعش" القوى المزعزعة للاستقرار السوري من الفيتو إلى الإعمار.. كيف تغيّرت مقاربة الصين تجاه دمشق؟ انفتاح على الشرق.. ماذا تعني أول زيارة رس... تفعيل المخابر والمكتبات المدرسية.. ركيزة لتعليم عصري 2.5 مليار يورو لدعم سوريا.. أوروبا تتحرك في أول مؤتمر داخل دمشق مغترب يستثمر 15 مليون دولار لتأهيل جيل جديد من الفنيين بعد زيارة الشيباني.. ماذا يعني انفتاح بريطانيا الكامل على سوريا؟ فيدان: ننتظر تقدّم محادثات دمشق و"قسد" ونستعد لاجتماع ثلاثي مع واشنطن وفود روسية وتركية وأميركية إلى دمشق لمناقشة ملف الساحل وقانون "قيصر" رغم نقص التمويل.. الأمم المتحدة تؤكد مواصلة جهود الاستجابة الإنسانية بسوريا بين "داعش" و"قسد" وإسرائيل.. الملفات الأمنية ترسم ملامح المرحلة المقبلة المنطقة الصحية الأولى بجبلة.. نحو 70 ألف خدمة في تشرين الأول تفجير المزة.. هل حان وقت حصر السلاح بيد الدولة؟ عودة محطة بانياس.. دفعة قوية للكهرباء واستقرار الشبكة نحو شوارع أكثر نظافة.. خطوات جديدة في حلب