الثورة – عامر ياغي:
أكد الخبير الاقتصادي والمصرفي يحيى السيد عمر في حديث خاص لـ”الثورة” أنه في ظلّ التحديات الاقتصادية الراهنة التي تُواجه سوريا، تبرز الصناعات الغذائية التحويلية كواحدة من أهم القطاعات القادرة على إحداث فارق حقيقي في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز الأمن الغذائي، فضلاً عن دورها الكبير في رفع القيمة المضافة للمنتجات الزراعية، وتُوسّع قاعدة الإنتاج.
ولفت إلى أنها تُنشّط فرص العمل في الريف والمناطق الزراعية، ولاسيما أن سوريا بلد زراعي بامتياز، إذ تُشكّل الزراعة أكثر من 17 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن مساهمة هذا القطاع في الناتج القومي لا تعكس الإمكانات الكامنة فيه.
وأضاف السيد عمر: إن هذا التباين بين الإمكانيات والاستفادة يعود إلى ضعف الاستفادة من سلاسل التصنيع الغذائي، واعتماد السوق بشكل رئيسي على تسويق المحاصيل الزراعية بصورتها الخام، ما يؤدي إلى تراجع العوائد، ارتفاع نِسَب الهدر، وغياب التنافسية في الأسواق الخارجية.
وبين أنه وخلال الأشهر الأخيرة، شهد قطاع الصناعات الغذائية في سوريا تزايداً ملحوظاً في الاستثمارات، إذ سجَّلت وزارة الاقتصاد والصناعة تقديم 1389 طلباً لاستيراد خطوط إنتاج صناعية جديدة، منها 396 طلباً مخصَّصاً للصناعات الغذائية، بالإضافة إلى 116 طلباً لآلات مفردة تُستخدَم في القطاع الغذائي.
ويعكس هذا النمو اهتماماً متزايداً بتطوير هذا القطاع الحيوي وتعزيز قدراته الإنتاجية، وهنا- والكلام للسيد عمر- يُبْرِز هذا الإقبال المتزايد توجهاً واضحاً للاستثمار في سلاسل التصنيع الغذائي، بهدف رفع جودة المنتجات الزراعية وتحسين فرص تصديرها، مما يسهم في تقليل الاعتماد على المواد الخام وتحقيق قيمة مضافة تعزّز الناتج المحلي.
وأوضح أن الاستثمار في الصناعات التحويلية خطوة ضرورية لإعادة هيكلة الاقتصاد على أُسس إنتاجية حقيقية، قادرة على توفير الغذاء، تحقيق فائض للتصدير، وتنشيط الأسواق المحلية، منوهاً إلى أن بناء اقتصاد إنتاجي لا يبدأ من التوريد الخارجي أو الأسواق، بل من الحقول السورية التي يمكن أن تتحول إلى منتجات غذائية وطنية إذا وُجدت البنية التصنيعية المناسبة والإرادة للاستثمار المستدام.
وأشار السيد عمر إلى أن الدراسات الاقتصادية تدعم ذلك، إذ تُظْهِر أن تحويل المحاصيل الزراعية إلى منتجات غذائية مصنّعة يمكن أن يزيد القيمة الاقتصادية للمنتج بنسبة تتراوح بين 40 بالمئة إلى 100بالمئة، بحسب نوع السلعة وطبيعة المعالجة، فعلى سبيل المثال، فإن طن الخضراوات الخام يُباع محلياً بسعر لا يتجاوز 1,2 مليون ليرة سورية، فيما يمكن أن تصل قيمته إلى أكثر من 2,5 مليون ليرة بعد تصنيعه ما يعني زيادةً واضحةً في القيمة المضافة.
وختم السيد عمر حديثه بالتأكيد على ضرورة دعم التصنيع الغذائي عبر حوافز ضريبية، تسهيلات ائتمانية، إعفاءات جمركية، وتطوير التشريعات والبنية التحتية، بهدف خفض التكاليف وتوسيع فرص العمل، خاصةً في المناطق الزراعية، فدعم هذا القطاع ليس خياراً تنموياً فحسب، بل هو ضرورة استراتيجية لتعزيز الإنتاج المحلي، تحقيق الاكتفاء الذاتي، وفتح أسواق تصديرية واسعة.