الثورة – وعد ديب:
في ظل ظروف مناخية قاسية، وواقع اقتصادي معقّد، لا تزال شجرة الزيتون السورية تقاوم، محافظة على مكانتها كأحد أهم مصادر الأمن الغذائي والدخل الريفي.
إلا أن تحديات الواقع الزراعي والتسويقي تشير إلى ضرورة تغيير جذري في طريقة التعامل مع هذه الشجرة المباركة، ليس فقط على صعيد الزراعة والإنتاج، بل أيضاً في التصنيع والاستفادة من كامل المخرجات.
المهندس الزراعي أحمد عميري، المتخصص في زراعة الزيتون، وضح لـ”الثورة” أبرز النقاط التي قد تسهم في تطوير هذا القطاع الحيوي، بما من شأنه تحقيق عوائد اقتصادية مستدامة منه. وأكد أن الاعتماد على أصناف الزيتون المحلية المتأقلمة مع المناخ الجاف يُعد أحد أهم مفاتيح النجاح، مشيراً إلى أن أصنافاً مثل “الصوراني”، و”القيسي” أثبتت جدارتها في تحمل الجفاف وإعطاء إنتاج جيد ومستقر.
75 صنفاً
ويضيف م. عميري: لدينا في سوريا نحو 75 صنفاً من الزيتون، من بينها 10 أصناف تُشكّل النسبة الأكبر من المساحات المزروعة، والمفارقة أن بعض هذه الأصناف يعطي مردوداً زيتياً يتجاوز 30 بالمئة، في حين أن الأصناف المستوردة نادراً ما تتجاوز 25 بالمئة في أفضل حالاتها.
أما عن الفوائد الاقتصادية غير المستثمرة، فيلفت م. عميري إلى أن مخرجات عملية التقليم، مثل الخشب والمخلفات النباتية، لا تزال تُهدر أو تُحرق، في حين أن دولاً مثل تونس وإيطاليا تبني على هذه المنتجات صناعات حرفية متقدمة، وتحوّل خشب الزيتون إلى منتجات سياحية وهدايا فاخرة.
كما يشير إلى أهمية الاستفادة من مياه العصر، التي تحتوي على نسبة عالية من المواد العضوية والعناصر الكبرى والصغرى. وقد أظهرت تجارب محلية سابقة- والكلام للمهندس عميري، أن ريّ الأراضي الزراعية بهذه المياه – بمعدل 80 متراً مكعباً للهكتار – يُحسّن خصوبة التربة ويزيد من إنتاجية الأشجار.
ومن بين النقاط التي شدد عليها، ضرورة عدم تجاهل “البيرين” (تفل الزيتون) الذي يُمكن استثماره بعد استخلاص الزيت الصناعي منه، سواء في تصنيع العلف أم استخدامه كمصدر بديل للطاقة بعد تجفيفه وتكبيسه.في جانب آخر، دعا م. عميري إلى كسر الفكرة الخاطئة المنتشرة، أن شجرة الزيتون لا تحتاج إلى تسميد، مؤكداً أن الزيتون يستجيب بشكل جيد للعناصر العضوية والسمادية، خاصة في مراحل التزهير وتكوّن الزيت.
وأضاف: يجب تعويض الاستنزاف السنوي للعناصر في التربة، وهذا لا يكون إلا من خلال تحليل علمي دقيق للتربة والأوراق. ومن الضروري أن يعود هذا التحليل ليُقدّم بشكل مجاني أو مدعوم للفلاحين.
كما طرح ضرورة تأهيل الكوادر الفنية المختصة في تقليم الزيتون، خصوصاً في المناطق التي شهدت استثمارات زراعية حديثة، وقال: هناك حاجة لتخريج مقلمين حاصلين على شهادات معتمدة، تماماً كما هو معمول به في دول مثل تونس، لأن التقليم الصحيح يحدد إنتاجية الشجرة في الموسم التالي.
مقومات تنافسية
وفي الشق التسويقي، أشار إلى أن الزيت السوري يمتلك مقومات تنافسية عالمية، فهو زيت غني بالزيوت العطرية والفينولات، وله قدرة عالية على التخزين، لكن المشكلة تكمن في طريقة التسويق.
وأضاف: زيت الزيتون السوري يُصدّر غالباً بشكل سائب، ليُعاد تعبئته في الخارج ويُباع تحت علامات تجارية أجنبية، والمطلوب اليوم دعم خطوط التعبئة المحلية، وتصدير الزيت في عبوات أنيقة تحت اسم سوري واضح.
وأوضح أن طريقة الإنتاج السوري، التي لا تعتمد بشكل كبير على الأسمدة الكيماوية أو المبيدات، تمنح المنتج ميزة تصنيفه “شبه عضوي”، وهي ميزة تسويقية عالية القيمة، خاصة في الأسواق الأوروبية التي تبحث عن المنتج النظيف والآمن غذائياً.
وختم المهندس عميري بالتأكيد على أهمية رؤية وطنية شاملة تُعنى بتطوير قطاع الزيتون بكل مكوّناته، تبدأ من اختيار الصنف، وتمر بالإنتاج والتصنيع، ولا تنتهي إلا بوصول المنتج السوري إلى الأسواق العالمية بقيمة مضافة حقيقية.