الثورة – فردوس دياب:
يشكّل مجلس الشعب السوري في مرحلته الجديدة أول سلطة تشريعية منتخبة بعد سقوط النظام المخلوع الذي حكم البلاد لعقود، وبالتالي فهو لا يُعد مجرد مؤسسة دستورية، بل هو تجسيد لإرادة شعبية تسعى إلى تصحيح المسار، وترميم ما أفسده النظام البائد من بنية قانونية ومؤسساتية، وإرساء قواعد دولة مدنية ديمقراطية قائمة على سيادة القانون والمساءلة.
بناء الثقة
حول هذا الحدث الفاصل في تاريخ سوريا، التقت “الثورة” الباحث والمدرب في القانون الدولي المحامي أحمد عبد الرحمن الذي استهل حديثه بالقول: لقد عانى الشعب السوري من نظام شمولي عطّل الحياة السياسية، وكرّس ثقافة الخوف، وأفرغ المؤسسات من مضمونها الدستوري.. ومن هنا، فإن البرلمان الجديد، يُمثل القطيعة القانونية والسياسية مع مرحلة الاستبداد، ويُعيد الاعتبار لمبدأ الفصل بين السلطات، ويُكرّس الرقابة الشعبية على السلطة التنفيذية، ويُعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة”.
وأضاف المحامي عبد الرحمن: إن ما سبق يوجب على البرلمان القادم مهام تشريعية ذات الأولوية، ومن أبرزها تفكيك البنية القانونية للدكتاتورية، إذ يتوجب على المجلس إلغاء القوانين التي شرعنت القمع، مثل قوانين الطوارئ والمحاكم الاستثنائية، وتعديل الدستور بما يضمن تداول السلطة، ويمنع التسلط الفردي، وسن قوانين تضمن استقلال القضاء، وحرية الإعلام، وحق التنظيم السياسي، وكذلك إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية، ويشمل ذلك إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لتكون خاضعة للرقابة البرلمانية، وإصدار قوانين تنظم عمل المؤسسات وفق معايير الكفاءة والشفافية، وتعزيز دور الإدارة المحلية في صنع القرار.
العدالة الانتقالية
ومن المهام الضرورية التي يتوجب على مجلس الشعب الجديد المسارعة إلى مناقشتها والقيام بها، بحسب الباحث عبد الرحمن، تحقيق العدالة الانتقالية وجبر الضرر، وذلك من خلال سن قانون للعدالة الانتقالية يُعالج الانتهاكات السابقة، وإنشاء هيئة مستقلة لتوثيق الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها، وتعويض الضحايا وإعادة الاعتبار لهم قانونياً ومجتمعياً.
وعن التحديات التي ستواجه المجلس الجديد، بين عبد الرحمن، أن هناك تحديات جسيمة ستقف أمام العمل البرلماني، ولعل أبرزها مقاومة بقايا النظام القديم داخل المؤسسات، وضعف البنية القانونية نتيجة التراكمات السابقة، والحاجة إلى توافق وطني واسع حول أولويات الإصلاح، بالإضافة إلى ضغوط داخلية وخارجية قد تعرقل المسار التشريعي.
وتحدث مدرب القانون الدولي أحمد عبد الرحمن عن نماذج إصلاحية من تجارب دولية بعد سقوط أنظمة استبدادية يمكن الاستفادة منها والإسقاط عليها في الحالة السورية، ومنها التجربة الهايتية، إذ واجهت هايتي بعد سقوط نظام “جان كلود دوفالييه” عام 1986، تحديات كبيرة في تفكيك شبكات الفساد والولاء للنظام السابق، خصوصاً داخل الجيش والشرطة، لذلك تم اعتماد إجراءات تشريعية أبرزها، حل الأجهزة الأمنية المرتبطة بالقمع السياسي، وإنشاء لجان مستقلة للتحقيق في الجرائم والانتهاكات، وإصدار قوانين تمنع رموز النظام البائد من تولي المناصب العامة. كذلك التجربة اليمنية، ذلك أنه وبالرغم من تنحي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عام 2012، إلا أن نفوذه استمر عبر تحالفات مع جماعات مسلحة، وقد حاولت الحكومة الانتقالية تعديل القوانين العسكرية والأمنية لضمان حيادها، وسن قوانين للعدالة الانتقالية، رغم تعثر التنفيذ بسبب الحرب، وإقرار تشريعات تضمن الشفافية في التعيينات والتمويل السياسي.
خارطة طريق
وبالنسبة لأدوات العدالة الانتقالية وفق القانون الدولي، أكد المحامي عبد الرحمن على أن الدول الخارجة من أنظمة استبدادية، ووفقاً لمنشورات المفوضية السامية لحقوق الإنسان تحتاج إلى برامج جبر الضرر خارج المحكمة، تشمل التعويضات الرمزية والمادية، وتحتاج إنشاء قواعد بيانات وطنية لتوثيق الانتهاكات، وإشراك المجتمع المدني في صياغة التشريعات الانتقالية، واعتماد بروتوكولات علمية لتحديد هوية الضحايا والمفقودين. وشدد على وجوب أن يكون هناك خارطة طريق للمرحلة القادمة تحدد الأولويات، التي يجب أن تشمل إغلاق المقرات الأمنية ومراكز الاحتجاز للحفاظ على الأدلة، وحماية المقابر الجماعية ومواقع التعذيب من العبث، وتسهيل عمل فرق التحقيق الدولية، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية للمعتقلين والمفقودين.
وختم الباحث عبد الرحمن حديثه بالقول: إن مجلس الشعب السوري في هذه المرحلة ليس مجرد سلطة تشريعية، بل هو حامل مشروع وطني لإعادة بناء الدولة السورية على أنقاض الاستبداد، تقع على عاتقه مسؤولية تاريخية في تصحيح الخلل، وتكريس قيم الحرية والعدالة، وإعادة الاعتبار للمواطن بوصفه مصدر الشرعية الوحيد، ومن هنا، فإن نجاحه لا يُقاس بعدد القوانين التي يصدرها، بل بمدى قدرته على إحداث تحول حقيقي في بنية الدولة والمجتمع.