الثورة – سناء عبد الرحمن:
تواجه المدن السورية تحديات اقتصاديةً متناميةً، وتسعى للتأقلم مع ارتفاع تكاليف المعيشة، في الوقت الذي تبقى محافظة طرطوس حالة خاصة، إذ تشهد سوق الإيجارات فيها ارتفاعاً ملحوظاً ومتفاوتاً، جعلها تتصدر قائمة المحافظات الأغلى على صعيد السكن.
ويرى خبراء الاقتصاد والعقار أن هذه الظاهرة تعود إلى كونها مدينة سياحية بامتياز، يقصدها الزوار صيفاً، إضافة إلى محدودية المعروض من المنازل مقابل ازدياد الطلب عليها. “الثورة” تتابع الأمر مع المختصين والمعنيين في المحافظة..
فروقات لافتة
الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد، بيّن لـ”الثورة” أن الإيجارات في الأحياء الراقية، مثل الحمرات والغدير تصل حالياً إلى ما بين 3 و 4 ملايين ليرة شهرياً للشقق ذات التجهيز الجيد، أي بزيادة تقارب 10 إلى 20 بالمئة عن العام الماضي. وأشار إلى أن طبيعة العلاقة بين المالك والمستأجر تحدد بدورها قيمة الإيجار، فالمستأجر القديم غالباً ما تتم مراعاته بزيادة أقل، فيما يدفع المستأجر الجديد سعراً أعلى بكثير.
ويضيف محمد: إن الفروقات بين الأحياء الراقية والشعبية “أزلية”، فالإيجار يعكس بالضرورة قيمة العقار ومكانته، على سبيل المثال، زيادة بنسبة 10 بالمئة على شقة إيجارها مليون ليرة تعني ارتفاعاً، قدره 100ألف ، بينما الزيادة على شقة إيجارها ثلاثة ملايين تكون النسبة أكبر قد تصل إلى 20 بالمئة أي 600 ألف ليرة، ما يجعل الارتفاع تراكمياً في المناطق الأغلى.
أثر محدود للتضخم
وعلى الرغم من موجات الغلاء المتلاحقة، يرى الدكتور محمد أن تأثير التضخم على سوق الإيجارات ظل محدوداً نسبياً، وأن تحسن الليرة السورية بنسبة تقارب 35 بالمئة ساهم في كبح الارتفاعات الأكبر، لكن، تبقى العوامل الحاسمة في تحديد الأسعار مرتبطة بالموقع والخدمات وتوافر البنية التحتية، مما يجعل الأحياء الراقية دائماً في صدارة الأسعار. ومن ناحية أخرى، رغم استقرار القيمة الفعلية للإيجار بالليرة السورية، إلا أن تقويم الإيجار بالقطع الأجنبي يكشف عن زيادة ملحوظة في قيمته، فعلى سبيل المثال، كان إيجار الشقة العام الماضي بمليون ونصف ليرة يعادل نحو 100 دولار، بينما اليوم يعادل نحو 130 دولاراً، ما يعني زيادة واضحة عند تحويل القيمة إلى الدولار.
غياب الحلول
وبلغة الأرقام، يشير الخبير إلى أن متوسط إنفاق عائلة سورية نحو 30 بالمئة من دخل الأسرة على الإيجار، ما يعني أن السكن بات بنداً رئيساً يستنزف ميزانية الأسرة ويضغط على باقي المصاريف الأساسية كالغذاء والتعليم والطبابة. أما عن إمكانية ضبط هذا السوق، فيؤكد الدكتور محمد أن لا حلول فعلية حالياً في ظل محدودية العرض واستمرار الطلب المتزايد، موضحاً أن أي محاولات لتحديد قيمة تخمينية للعقارات لم تنجح في التطبيق العملي، إذ يبقى رضا الطرفين – المالك والمستأجر – الفيصل في تحديد السعر، ويرى أن الحل الجذري يكمن فقط في إنشاء مشروعات سكنية ضخمة لتأمين معروض أكبر يوازن السوق.
تقييم ميداني
من جانبه، قدّم المقيّم العقاري المهندس مازن علي قراءة تفصيلية لواقع الإيجارات في طرطوس، مبيناً أن الأسعار تتفاوت بشكل كبير تبعاً للمساحة والإكساء والموقع. وبين أن كلفة إيجار شقق غرفتين وصالون في المناطق المتوسطة: بين 1,5 – 2 مليون ليرة، وشقق بنفس المواصفات في الأحياء الراقية: 2,5 – 3 ملايين ليرة، أما شقق الثلاث غرف وصالون في الأحياء الراقية فهي بين 3 – 4 ملايين ليرة، وفي المناطق الشعبية لا تتجاوز مليوني ليرة.. أما الشقق المفروشة، فيخضع تسعيرها لعوامل إضافية، مثل وجود منظومة طاقة شمسية أو مصعد أو نوع الطابق.
وأوضح م. علي أنه في شارع الثورة، مثلاً، وصل إيجار شقة مؤثثة بإكساء جيد ومزودة بالطاقة الشمسية والمصعد إلى 600 دولار شهرياً، بينما انخفض الرقم في مواقع أخرى إلى 500 دولار، ليقفز في أحياء مثل القصور إلى ما بين 800 – 1000 دولار. كما أوضح أن المكاتب أيضاً تدخل على خط الإيجارات، فغير المفروش منها يبدأ من 100 دولار، بينما يتراوح إيجار المفروش بين 200 – 300 دولار تبعاً للموقع والمساحة. ولفت م.علي إلى أن الضواحي القريبة مثل الشيخ سعد والدوير تشهد إقبالاً ملحوظاً من المستأجرين القادمين من الريف، نظراً لانخفاض أسعارها إلى حدود 700 ألف إلى 1,2 مليون ليرة، أي ما يعادل نصف أسعار قلب المدينة تقريباً، ويعود ذلك إلى حاجة الموظفين والعمال إلى الاستقرار قرب مكان عملهم وتجنب أعباء التنقل اليومي، فضلاً عن توفر فرص عمل إضافية داخل المدينة.
العرض والطلب
ونوه بأن سوق الإيجارات في طرطوس يعيش حالة شد وجذب بين محدودية المعروض وازدياد الطلب، مع تفاوت كبير في الأسعار بين الأحياء والضواحي، ورغم أن التحسن النسبي في سعر الليرة خفف من حدة الارتفاعات، إلا أن العبء مازال ثقيلاً على ميزانية الأسر، التي تجد نفسها مضطرة لاقتطاع جزء أساسي من دخلها لتأمين السكن. ويرى المهندس علي أن أي إصلاح حقيقي لهذا الملف لن يتحقق إلا عبر توسيع قاعدة المعروض السكني، وإنشاء مشروعات سكنية، لتبقى الأسعار رهناً بقانون العرض والطلب واتفاق الطرفين.