سوق العمل السياحي .. من المسؤول عن الفوضى وغياب التنظيم؟

الثورة – سعاد زاهر:

على الرغم من أنّ السياحة تُعدّ من أكبر القطاعات الاقتصادية، لايزال سوق العمل السياحي في سوريا عالقاً بين العشوائية والأمل بالتنظيم، عشرات المعاهد تُخرّج طلاباً كل عام، لكن الأجور المنخفضة وغياب الرقابة يهددان بقتل الحلم قبل أن يتحول إلى واقع. فهل تتحول السياحة إلى قطاع اقتصادي منظم قادر على تشغيل اليد العاملة واستجرار القطع الأجنبي، أم تبقى أسيرة العشوائية وضعف البنى التحتية؟ في هذا التحقيق الصحفي نتابع الواقع والمطالب والمقترحات.

مرحلة انتقالية

في قلب هذا التحدي، يبرز سوق العمل السياحي باعتباره الركيزة الأساسية، فالموارد البشرية المؤهلة هي مفتاح جذب الاستثمارات، ورفع مستوى الخدمات، وبالتالي تحويل السياحة إلى صناعة حقيقية لا تقل أهمية عن الزراعة أو الصناعة، بل قد تفوقهما من حيث العائدات. يصف مدير التدريب والتأهيل في وزارة السياحة أيهم مهنا، واقع السوق السياحي أنه في “مرحلة انتقالية” قائلاً: “نحن ننتقل من سوق عمل عشوائي إلى سوق منظم يحاكي التجارب العالمية، وهذا يتطلب أدوات تشريعية وتعليمية وقانونية تضبط المسار”. ويرى أن المعضلة الكبرى ليست في قلة الوجهات السياحية، فبلاد كُتبت حضارتها على الصخور وامتدت من الجبال إلى السواحل لا ينقصها التنوع، بل في غياب البنية التحتية وضعف ثقافة العمل السياحي، ويضيف مهنا: لايزال بعض الشباب يرفضون دخول معاهد السياحة لأنهم يعتقدون أن النهاية ستكون مجرد وظيفة كنادل في مطعم، في حين أن القطاع قادر على تشغيل آلاف العاملين وتوفير عائدات تضاهي القطاعات الكبرى.

انحرافات سوق العمل

يؤكد مهنا أن التدريب هو البوصلة لتصحيح انحرافات سوق العمل، عبر آليات التغذية الراجعة من المتدربين الذين يلتحقون بسوق العمل، ومن خلال هذه التجارب، يمكن تحديد الثغرات وصياغة دورات عملية متخصصة.. لكن النقطة الجوهرية تبقى في التكامل بين التعليم الأكاديمي والتدريب العملي، فالتعليم يمنح الإطار النظري والمعرفي، فيما التدريب يزود الخريج بالمهارات التطبيقية. ويوضح أنه “لا يمكن لطالب أن يصبح “شيفاً” معتمداً لمجرد حضوره دورة، بل يحتاج إلى معرفة أكاديمية بالمفاهيم الأساسية للطبخ والفندقة، ثم يأتي التدريب ليصقل مهاراته العملية ويمنحه بصمته الخاصة”.

الأجور والانتماء الوظيفي

من أبرز التحديات التي تواجه العاملين في القطاع السياحي- بحسب مهنا، تدني الأجور، ففي الوقت الذي قد يصل سعر الغرفة الفندقية إلى 500 دولار لليلة، فإن أجر العامل الشهري قد لا يتجاوز 100 دولار، هذا التفاوت الصارخ يولّد شعوراً بالظلم ويضعف الانتماء الوظيفي، مبيناً أن “العامل يحتاج إلى بيئة عمل جيدة وراتب لائق ليعمل بشغف، وإلا فإن تراجع الحافز ينعكس على جودة الخدمة”. ولفت إلى أنه على الرغم من التحديات، فإن التحولات التكنولوجية دخلت بقوة، فقد أدخلت المعاهد السياحية في سوريا اختصاصات جديدة مثل التسويق السياحي والتصميم الإعلاني، لتأهيل كوادر قادرة على الترويج للمنشآت عبر أدوات حديثة.. كما أطلقت هيئة التدريب الفندقي دورات أونلاين، للمرة الأولى، لتجاوز صعوبات التنقل وتوسيع قاعدة المتدربين.

درعا.. بوابة أمل

من الجنوب السوري، وتحديداً من درعا، يتحدث مدير مركز ماري مون للتأهيل والتدريب السياحي جهاد عطيفي، بنبرة متفائلة. ويرى أن السوق متشبع بالاستثمارات ويشبه “الإسفنجة التي تمتص آلاف الكوادر المؤهلة”، ويشير إلى قرار وزارة السياحة القاضي بإلزام كل منشأة سياحية بتوظيف 10 بالمئة من خريجي المعاهد السياحية، سواء العامة أم الخاصة، معتبراً أن ذلك يشكّل خطوة جادة نحو ربط التعليم بسوق العمل. ويقر عطيفي أن الرواتب تبقى مشكلة مزمنة، إذ تتراوح في بعض المكاتب السياحية بين مليون ومليون ونصف ليرة سورية للخريجين الجدد، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بغلاء المعيشة، إلى جانب الأجور، هناك غياب للرقابة على المطاعم والفنادق. ويروي مثالاً عن مطاعم لا تلتزم بالنظافة أو باللباس الموحد للعاملين، معتبراً أن هذه التفاصيل الصغيرة قادرة على تشويه الصورة العامة للسياحة السورية، ويقارن بتجارب عربية ناجحة مثل تونس، حيث يخضع حتى سائق التاكسي لاختبار في التعامل مع السياح.

شهادة ومظهر وابتسامة

يرى عطيفي أن العامل السياحي لابد أن يجمع بين التأهيل الأكاديمي والمهني وبين المظهر اللائق واللباقة الدائمة، مؤكداً أن ابتسامة العامل قد تكون أهم من عشرات الشهادات، فالسياحة فن في التعامل قبل أن تكون علماً أو مهنة.

ومن منظور اقتصادي، يُعتبر الاستثمار في السياحة من أكثر القطاعات توليداً لفرص العمل، إذ إن أي مشروع سياحي يحتاج إلى عمالة كثيفة، بدءاً من مرحلة البناء وحتى التشغيل، فضلاً عن توفير فرص غير مباشرة عبر تنشيط قطاعات النقل والمطاعم والخدمات. وبذلك، تصبح السياحة قطاعاً مركزياً في معادلة التنمية الاقتصادية، خصوصاً في بلد يسعى إلى إعادة بناء اقتصاده المنهك.

ما الذي ينقص؟

يلخص مهنا، وعطيفي، مستقبل سوق العمل السياحي بثنائية التفاؤل والحذر، فهناك استثمارات قادمة، وزيادة في أعداد المتدربين، وتوجه نحو تحديث المناهج وربطها بالواقع، لكن في المقابل، لاتزال الأجور المتدنية، ضعف الرقابة، وهجرة الشباب تهدد هذا القطاع. الحل يكمن، كما يقولان، برفع مستوى الأجور وتحسين بيئة العمل لخلق انتماء وظيفي، تعزيز الرقابة على المنشآت السياحية لضمان جودة الخدمات، تطوير التعليم والتدريب بما يواكب المعايير العالمية، استثمار التكنولوجيا لتسويق الوجهة السورية، تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في التدريب والتوظيف.

آخر الأخبار
تأهيل الطرق وتحسين البنية التحتية في منبج وإعزاز عبد الحفيظ شرف: دمشق تتعامل بمسؤولية وطنية وتغلّب الحل السلمي مع "قسد" توزيع 3750 مقعداً على مدارس درعا ترميم ثانوية الشجرة الصناعية بدرعا حاجة ملحّة للطلاب ماذا تتضمن المرحلة الأولى من "خطة ترامب" باتفاق غزة؟ تقارير بحثية: الدعم الأميركي مكّن "إسرائيل" من ارتكاب مجازر جماعية واجهة حلب مستباحة بكتابات العشّاق وأمنياتهم  بسبب نقص التمويل.. الأمم المتحدة ستقلص عديد قواتها في العالم دمشق وأنقرة.. خيارات بديلة وحلول عملية لمواجهة استفزازات "قسد" اتفاق "وقف الحرب" على غزة يدخل حيز التنفيذ سوريا تبدأ فصلاً جديداً في حربها على تجارة المخدرات طريق التعليم للجميع.. آلاف الشهادات غير السورية تدخل السجل السوري توقعات النمو شرطها رؤية اقتصادية جديدة "جمعية حماية المستهلك": التجار لو ربحوا 90 بالمئة يشعروننا بالخسارة مبادرة طب الطوارئ.. قرار الحسم بأصعب اللحظات مجلس الشعب الجديد... سوريا على سكة بناء الدولة الحديثة "التربية والتعليم": كرامة المعلم وأمن الطالب خط أحمر "المشروع العاشر" يتضامن مع الطفل المخطوف سوريا على خريطة "ميتا".. هل تجتاز اختبار الجاهزية؟ عودة الإعلانات الممولة ستسهم في تحفيز سوق العمل الإعدام على أنغام فيروز وأم كلثوم.. دراسة بحثية في فرنسا للطالبة سارة العويد