الثورة – رنا بدري سلوم:
شهدت المكتبة الوطنيّة بدمشق، أمس، انطلاق فعاليات ملتقى “الحكاية السورية”، الذي شكّل منصة وطنية جامعة لتوثيق معاناة السوريين خلال سنوات الثورة المباركة، عبر سرديات فردية وجماعية تُعبّر عن واقع عاشه الأحرار والثوار في مواجهة الخوف والموت واللجوء، ضمن مشروع يسعى لإعادة كتابة التاريخ السوري من وجهة نظر أبنائه.
سرديّة تشبه السوريين
لم يكن الملتقى مجرد فعاليّة ثقافيّة، بل جلسة وطنيّة جامعة، تَحَدَّث فيها السوريّون عن حكايتهم مع القمع والاستبداد، وطالبوا بحقهم في سرد روايتهم الخاصة، التي تعكس آلامهم وآمالهم. حملت الجلسة الحواريّة عنوان “انطلاق شرارة الثورة السورية والنهوض من تحت الرماد “قدمها الإعلامي عمار اسماعيل، مستضيفاً مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الإعلامية الدكتور أحمد زيدان، وصِفَت بأنها “من القلب إلى القلب”، ناقشت بجرأة وشفافية معنى الحريّة والكرامة، وضرورة كسر احتكار السّرد التّاريخي المزيف الذي فُرض على السّوريين لعقود.
-ثقافة الحريّة ركيزة المرحلة المقبلة
وفي تصريح لصحيفة “الثورة”، أوضح الدكتور أحمد زيدان عقب الندوة، أن سوريا اليوم لكل أبنائها، وأن البلاد تدخل مرحلة جديدة من الوعي الوطني. وقال: “نعرض التاريخ لنتعلم منه، ونحاسب من تلطّخت أيديهم بدماء الأبرياء، ونعيد الحقوق إلى أصحابها”. وشدّد على أن ثقافة الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة لا يمكن تحقيقها إلا بتكاتف الجهود، داعياً إلى بناء سوريا جديدة حرة من الفكر المنغلق.
الثقافة مظلة لكل السوريين
وحول آفاق المشهد الثقافي، أكد زيدان أن الثقافة ستكون مظلة جامعة لكل الشرفاء، ولن تُقصى فيها الآراء أو تُحتكر وجهات النظر. وأضاف: “نعمل على توثيق المظالم والانتهاكات، واستقطاب المغيّبين والمظلُومين لتوثيق رواياتهم، في مواجهة محاولات تشويه الثورة وإنكارها”.
وتابع: “من أراد إفشال الثورة الفكرية، فلن يصطاد في الماء العكر وحسب، بل سيصطاد في ماء زمزم، لأن أهدافه مكشوفة وستُفشل بالوعي والحقيقة”.
وعن سؤال “هل انتصرت الثورة الفكرية كما انتصرت الثورة الشعبية؟”، يجيب زيدان بالإشارة إلى ضرورة بلورة خطة وطنية شاملة تشمل إعداد الدراسات الأكاديمية وتأسيس هيئة وطنية لحفظ أرشيف الأحداث، والعمل على توحيد السردية السورية، بما يعزز الانتماء والهوية، بهكذا نكون قد بنينا ثقافة فكرية حقيقة تعكس جوهر وجودنا وتضحياتنا لبناء سوريا حرة نستحقها جميعاً”.
سموم إلكترونية
وفي مداخلة له، حذّر الدكتور أحمد طقش من التحديات الكبيرة التي تواجه سوريا في الفضاء الرقمي، مؤكداً أن “البلاد لا تواجه أزمة عسكرية بالدرجة الأولى، بل أزمة معلوماتية وإعلامية”.
وقال طقش: إن “جيوشاً إلكترونية معادية” تبث الفوضى والشائعات، وتعمل على تعميق الانقسام بين السوريين، مضيفاً أن نشر الإشاعات خلال الأزمات يُعد خيانة وطنية.
ودعا طقش خلال مداخلته إلى “إبراز الإيجابيات، والنهوض بروح المحبة والتآخي، لبناء مستقبل مزدهر يعيد للوطن عافيته وسلامه”.
وأكد المشاركون وجود حاجة ملحة إلى التمييز بين مفاهيم “التأريخ والتاريخ”، و”الشهيد والقتيل”، معتبرين أن ما يجري من “مصطلحات” يهدف إلى طمس الحقيقة، وأن الأحرار الثوار لا يسقطون بل “يرتقون”، في إشارة إلى تمسكهم بخياراتهم الوطنيّة رغم كل التحديّات والظروف.
كتاب توثيقي شامل قريباً
وسبق أن أعلن وزير الثقافة محمد ياسين الصالح في كلمته أثناء افتتاح الملتقى عن بدء إعداد كتاب توثيقي شامل، يوثق أحداث الثورة والمرحلة الانتقالية، ليكون مرجعاً للأجيال القادمة والوفود الثقافية الزائرة. مؤكداً الصالح أن ملتقى “الحكاية السورية” يمثل الخطوة الأولى ضمن مشروع وطني متكامل لتوثيق الذاكرة الشعبية، مشيراً إلى أن توحيد الرواية السورية من أبناء الداخل والخارج، خطوة مهمة على طريق بناء دولة العدالة والمواطنة.