الثورة- ناديا سعود:
بمناسبة الأسبوع العالمي لمقاومة المضادات الحيوية، وجّه معاون وزير الصحة لشؤون الصيدلانية عبدو محمد بشير محلي عبر صحيفة الثورة تحذيراً واضحاً من خطورة الاستخدام العشوائي وغير الموصوف للمضادات الحيوية، مؤكداً أن البلاد تشهد معدلات استهلاك تُعدّ من الأعلى عالمياً، ما ينذر بعواقب صحية جسيمة على المديين القريب والبعيد، خاصة مع تصاعد ظاهرة مقاومة البكتيريا للعلاجات المتاحة.
واقع مقلق
وأوضح الدكتور محلي أن ما يسمى بـ”الوصف الأعمى” للمضادات الحيوية بات ظاهرة واسعة الانتشار في المجتمع، حيث يلجأ كثير من المرضى مباشرة إلى الصيدلاني بدلاً من مراجعة الطبيب، ويُمنحون مضادات حيوية بناءً على الأعراض فقط، وغالباً ما تكون هذه الأدوية من الأنواع القوية. هذه الممارسات، بحسب الدكتور، تفتح الباب واسعاً أمام تنامي ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية، ما يقلل من فعالية الأدوية التقليدية ويدفع نحو استخدام أنواع أقوى وأكثر تعقيداً.وأضاف: المشكلة الحقيقية أن المرضى باتوا لا يستجيبون للمضادات الحيوية من الجيل الثاني أو الثالث، وأصبحوا يحتاجون لأدوية من الجيل الرابع أو حتى الخامس، مثل “الميروبينيم والإيميبينيم”، وهي أدوية كان من المفترض أن تُستخدم فقط في الحالات الحرجة. وحذر الدكتور محلي من أن الاستمرار في هذه الممارسات من دون تدخل حاسم سيؤدي إلى كارثة صحية مستقبلية، متسائلاً: إذا كان المريض اليوم لا يستجيب إلا للجيل الرابع، فإلى أي جيل ستستجيب الأجيال القادمة؟، مشدداً على أن الاستخدام غير المبرر للمضادات الحيوية لا يؤذي المريض الحالي فحسب، بل يهدّد الصحة العامة ومناعة المجتمع كله.
تشريعات مرتقبة
وفي هذا السياق، كشف الدكتور محلي أن وزارة الصحة تعمل حالياً على إعداد تشريعات جديدة تهدف إلى تنظيم صرف المضادات الحيوية من قبل الصيادلة، حيث سيُمنع صرف المضادات الحيوية من الجيل الثالث وما فوق إلا بوصفة طبية، مع فرض عقوبات على الصيادلة المخالفين، موضحاً أن الوزارة قد تسمح للصيادلة بصرف أدوية من الجيل الأول أو الثاني فقط، وذلك للحدّ من الاستخدام غير الضروري للأنواع القوية.
تعاون متعدد القطاعات
واعترف الدكتور محلي بوجود نقص في التدريب والتأهيل في هذا المجال، رغم الجهود التي تبذلها الوزارة لعقد دورات تدريبية متخصصة، مؤكداً الحاجة إلى تعاون أكبر مع جهات متعددة مثل وزارة الإعلام ونقابتي الأطباء والصيادلة، وضرورة إطلاق حملات توعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما يشمل إنتاج فيديوهات توعوية ورسوم متحركة تستهدف جميع شرائح المجتمع.
ثقافة الإبرة
وتطرّق الدكتور محلي إلى ما وصفه بـ”ثقافة خطيرة” سائدة في المجتمع السوري، وهي اللجوء السريع إلى الإبر (الحقن العضلية أو الوريدية) باعتبارها شكلاً من أشكال العلاج الفعّال والفوري، دون إدراك لمخاطرها الكبيرة، مضيفاً: عادة لا يُلجأ إلى الإبر إلا في الحالات الإسعافية، لأنها قد تُحدث صدمة تحسسية (تأقية) لدى بعض المرضى، وهي حالات قد تكون مميتة إذا لم تُعالج فوراً.
وأشار إلى أن بعض الصيادلة يصفون حقناً دون اختبار تحسس أو حتى معرفة تاريخ المريض، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى حالات صدمة دوائية خطيرة، كان من الممكن تفاديها لو تمّ استخدام شكل دوائي فموي أكثر أماناً.
وشدّد الدكتور عبدو محلي على أن وصف المضاد الحيوي من قبل الطبيب ليست ترفاً بل ضرورة، داعياً جميع المواطنين إلى الامتناع عن استخدام المضادات الحيوية دون وصفة طبية، وضرورة مراجعة الطبيب المختص في حال ظهور أعراض مرضية، كما أشار إلى أن بعض الأطباء – للأسف – باتوا يلجؤون إلى وصف مضادات قوية لإرضاء المريض وكسب ثقته، وهو سلوك خاطئ يسهم في ترسيخ ثقافة استخدام القوي أولاً بدل الأنسب طبياً. وأكد في ختام تصريحه: أن هذه ليست مشكلة وزارة الصحة وحدها، بل مشكلة مجتمع كامل، علينا أن نفكر بأطفالنا وأحفادنا، ونحافظ على فعالية المضادات الحيوية للأجيال القادمة، كلنا شركاء في الحل: المواطن، الطبيب، الصيدلي، الإعلام، والنظام الصحي كله.
إن الأسبوع العالمي لمقاومة المضادات الحيوية ليس مجرد مناسبة، بل نداء عالمي عاجل لحماية مستقبل الطب من كارثة صامتة بدأت تحصد ثمارها السلبية في العديد من الدول، وسوريا ليست استثناءً، فهل نتحرك اليوم قبل فوات الأوان؟.