الثورة – محمود ديبو:
طرح الدكتور المهندس صالح المبارك المتخصص في إدارة المشروعات تساؤلاً حول هل إدارة المشروعات العمرانية، إن كانت علم يدرس في الجامعات والمعاهد أم أنه مهنة نتعلمها من خلال العمل في الورشات، وهل يمكن الاكتفاء بالخبرة بدلاً من التعليم أو أن يعوض أحدهما عن الآخر.
ليعود الدكتور مبارك ويوضح من البداية معنى المشروع وإدارة المشاريع، ويقول خلال محاضرة له في فرع دمشق لنقابة المهندسين مساء أمس بأن المشروع مجهود أو علم مؤقت يبذل لإنشاء إنتاج (مشروع) أو خدمة أو نتيجة فريدة، وبالتالي فإن المشروع كونه مؤقت فله بداية ونهاية وله منتج متكامل، وكذلك فإن كل مشروع فريد لأن المشاريع تختلف من حيث الطبيعة والحجم والمكان والقوانين التي ترتبط بعملها والتكنولوجيا المستخدمة والظروف العامة ونوع العمل ومهارة العمال وأشياء كثيرة أخرى.
لكن وبحسب الدكتور المبارك، فإن منظومة إنشاء تلك المشاريع وإدارتها تحوي نفس المراحل وتتشابه في أمور كثيرة رغم أن المشاريع مختلفة.
وعليه فإن إدارة المشاريع هي تطبيق المعارف والمهارات والأدوات والتقنيات على نشاطات المشروع للوصول إلى متطلباته، وتنفذ إدارة المشروعات عبر التطبيق والتكامل المناسبين لمراحل إدارة المشروع المعرفة وهي البدء والتخطيط والتنفيذ والمراقبة والتحكم والإنهاء، وبحسب الدكتور المبارك فإن إدارة المشاريع تمكن المؤسسات من تنفيذ المشاريع بفعالية وكفاءة، وتتكون من مجموعة من العلوم التجريبية والتطبيقية، والملاحظات والتجارب وآراء الخبراء، وفي معظم الأحيان لا توجد طريقة صحيحة وحيدة للقيام بالأمور، ولكن هناك دائماً إرشادات ومعايير يضعها القادة والمنظمات المهنية للتوجيه إلى الطرق الأفضل، ومع وجو العديد من القواعد الجيدة إلا أنه لا يوجد ما يسمى “مقاس واحد يناسب الجميع”.
التشييد والعمران
ويلفت الدكتور المبارك إلى أن صناعة التشييد تتميز بتنوعها وتعدد استخداماتها وتغيرها المستمر، فلكل مشروع خصائصه وظروفه الخاصة التي تجعل بعض الأدوات أكثر ملاءمة وفعالية من غيرها في الظروف المحددة، وحتى هذا يتغير بتغير الزمن، وعليه فإن علم إدارة المشروعات ينطبق على قطاعات كثيرة لكن لكل منها خصائصه ومتطلباته وطرق وأدوات تنفيذه، حتى ضمن مشاريع العمران والبناء فهناك اختلافات كثيرة، فهناك المشروعات الأفقية وأخرى عمودية، ومشروعات سكنية وتجارية وصناعية وطرق وجسور وأنفاق ومشاريع المرافق والبنية التحتية ومشاريع الهدم والتفكيك والتحديث والتجديد.
الجدول الزمني
ومن أحد مكونات إدارة المشروع يشير الدكتور المبارك إلى إدارة وقت المشروع حيث يتم تحليل وتطوير جدول زمني لإكمال المشروع، ويسمى هذا الجدول الزمني بالجدول الزمني، وهو عرض لأنشطة وأحداث المشروع، إلى جانب توقيتها، مرتبة زمنياً على تقويم، وجدولة المشروع هي تحديد توقيت وتسلسل العمليات في المشروع وتجميعها لتحديد وقت لإكمال الإجمالي.
وللجدول الزمني فوائد كثيرة حيث أنه يمكن تحميل كل فعالية بالكلفة وبهذا يمكن حساب مخططات التدفق النقدي، ويمكن تحميل كل فعالية بالموارد المستخدمة أصنافاً وكميات (عمال، آليات، مواد)، وهو مهم لمعرفة أصناف وكميات المواد المحتاجة وتاريخ الاحتياج، ومهم في متابعة ومراقبة المشروع وتحديد إن كان هناك تأخير وموضوعه وربما سببه.
ويتحدث الدكتور المبارك عن طريقة المسار الحرج التي هي تقنية جدولة تستخدم الشبكات لعرض خطة العمل بيانياً، بحيث تحدد حسابات الشركة متى يمكن تنفيذ الأنشطة، والتاريخ المتوقع لإتمام المشروع والمسار الحرج له، وتستخدم هذه الطريقة لتحديد مدة المشروع وتحديد الأنشطة الضرورية لإتمامه، وهناك طرق جدولة أخرى لكن هذه الطريقة هي الأكثر شيوعاً والمقبولة رسمياً وقانونياً.
إدارة الكلفة والأخطار
ويذهب الدكتور المبارك للقول بأن إدارة الكلفة تعتبر أهم جانب من إدارة المشروع لأن معظم الجوانب الأخرى ينتهي تقييمها بمقياس الكلفة، وهي تشمل تقدير الكلفة قبل التنفيذ ومراقبة الكلفة أثناء التنفيذ، إلى جانب ذلك فإن لكل مشروع مخاطر محتملة يجب أخذها بعين النظر، وهنا يشير المبارك بالقول بأن أخطار المشروع هي أحداث وأحوال غير مؤكدة الوقوع وفيما لو حدثت فسيكون لها تأثير سلبي أو إيجابي على واحدة على الأقل من ضوابط المشروع (الكلفة، الزمن، الهدف “المنتج النهائي”، الجودة)، وهذه المخاطر تعتبر تهديد وفرص لنجا المشروع بآن واحدة، ولذلك فإن إدارة المخاطر تشمل تعريف وتحليل والتقدير النوعي والكمي للأخطار ثم تطوير خطة للتعامل معها.
إدارة الجودة
وتتضمن إدارة المشروع جوانب عدة إضافية منها مفهوم الاحتياط للطوارئ ويشمل (الميزانية والزمن)، وكذلك مفهوم إدارة الجودة في المشروعات وإدارة السلامة والأمان، والتدفق النقدي للمشروع.
وتتطلب إدارة المشروع توفر مهارات مختلفة لدى الكوادر التي تضطلع بهذه المهمة ومنها، بحسب الدكتور المبارك، هناك المهارات الناعمة وهي سمات ومهارات شخصية ترتبط مباشرة بمدى قدرة الشخص على التواصل والتفاعل الفعال مع الآخرين، ويحتاج مدير المشروع إلى مهارات شخصية لإدارة فريقه والتعامل مع شركاء المشروع والمشاركين الآخرين.
مشاريع الحياة
وربط الدكتور المبارك الحديث عن إدارة المشاريع المختلفة بمشاريع الحياة الخاصة بالأفراد والتي منها توفير مبلغ محدد لشراء بيت مثلاً أو دراسة جامعية أو إعداد حفلة زفاف أو تأسيس عمل أو تحويل الكراج إلى غرفة مكتب أو تجديد البيت وغيرها من المشاريع، ليطرح تساؤلاً: كيف يمكن الاستفادة من مفاهيم إدارة المشروعات في حياة الإنسان الشخصية؟ ويجيب هنا بالقول: إن أهم قاعدة في إدارة الحياة هي توزيع الموارد (وقت وجهد ومال وتفكير) بين الواجبات، وألا يسمح الإنسان لأمر أن يأخذ وقتاً وجهداً ومالاً على حساب واجب آخر، ولا بد هنا من تحديد الهدف وبناء الخطة وقياس الإنجاز خلال التنفيذ وإدارة الوقت وإدارة المخاطر، وبالأساس يحتاج أي مشروع لإعداد خطة تستلزم ثلاث خطوات هي تحديد هدف المشروع بشكل واضح ودقيق وإعداد خطة الوصول إلى الهدف مع بيان المتطلبات والقيود، والتنفيذ مع المراقبة والتعديل حين اللزوم.
ويضيف: كما أن التخطيط قبل البدء هو أمر أساسي يجب ألا يستهان به، وقد يسبق التخطيط دراسة الجدوى والوصول إلى قرار، مع تحديد متى يجب اتخاذ قرار إيقاف وإبطال أو تأجيل المشروع إن احتاج الأمر ذلك.