ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم :
ليس من الصعب فهم الحال الأردني القابع على موقد النار في المنطقة والمحاط بكل هذه المخاطر، وهو مطمئن البال وواثق من جوار «داعش» على حدوده، والتعايش مع وجود «النصرة» في كنفه، والتي تحاكي دوره الوظيفي المعتاد على مدى عقود وجوده على خريطة المنطقة وما لحق بها من نسخ معدّلة اقتضتها الضرورات أو التطورات.
لكن هذا الفهم سرعان ما يتحوّل إلى طلاسم حين يشرع الأردن في النفخ بالجمر المتقد، وهو المدرك أن الهشيم الذي يلفّه من أساس وجوده وتركيبة حضوره لا يحتمل أي خطأ في شرارة إضافية قد تصدر من هنا أو هناك، وليس بمقدوره أن يتحمل تبعات ما يليها من اشتعال قابل للامتداد في كل الجبهات، وربما قد يندلع من كل الاتجاهات..!!
فاللعب الأردني بنار المنطقة ليس جديداً، لكنه يأخذ منحى أكثر خطورة في الأسابيع والأيام الأخيرة، حين لم يكتفِ «عاهله» بالحديث العلني عن العمل على دعم العشائر في سورية والعراق والرسائل المفخخة التي ينطوي عليها، بل أضاف ما يوحي بأنه يغوص في القاع ليستل الراية «الهاشمية» المركونة منذ قرن من الزمن خلف ستائر المشاريع البديلة، التي لم تكن تتطلب حضور الراية ولا تحتمل مثل هذا الحضور، ولا تقدر على التجوال السياسي بإرثها الماضي أو الحاضر.
المفارقة أن التصريح الأردني تجاوز صيغ التلويح بالمشروع الهاشمي كبديل عن المشاريع المنكفئة والمهشّمة، التي تجترّ مرارة الفشل والهزيمة وتنزلق في زواريب وسراديب ما ينتجه من مخاض تمر به المنطقة ويحمل تبعات التورط الأبعد في سياق الفهم المتبادل للأدوار في حلّتها الجديدة، حيث يراهن الأردن أن يجرّب ولو مرة واحدة أن يتزعم حلف الأدوات في المنطقة، بعدما اكتفى على مدى العقود الماضية بدور الـمُلحق القسري بالآخرين، واعتاد أن يتذيّل اللائحة دائماً.
بالاستدلال لا أحد بمقدوره أن يتخيّل أن الأردن يمكن له أن يناكف الدور السعودي أو أن يستعديه، ولا أن يكون بديلاً للدور القطَري أو تعويضاً عن التركي، لكن بالمعطيات والوقائع تبدو المحظورات وكأنها خلف الأردن بحكم ما أوكل إليه الأميركي، وقد حان وقت التنفيذ، لذلك كان «عاهله» يسلّم الراية الهاشمية لرئيس أركان «النشامى» وسط احتفال له رمزية إطلاقه العلني والأخطر توقيت التسليم ومراسم الاستلام.
لا نريد أن نستبق الأشياء قبل حضورها، لكن من الواضح أن الأردني اليوم يتحضّر ليكون شريكاً مباشراً ومعتمداً بوكالة أصلية من الأميركي في إشعال النار أو ليعيد إشعال ما خَمد منها، خصوصاً بعد أن تكون الراية «الهاشمية» المفتاح لاندلاع نيران الصراع تحت مسميات وذرائع إضافية وهي محمولة على الوهم الذي يحضر بقوة في العقل الأردني الملكي، ويعوّل من خلاله على تطمينات الأميركي وقبول الإسرائيلي وتبريكاته التي كانت سابقة للإعلان وحتى للحديث الأردني.
فالإخوانية التي تترنّح على وقع أفول عكازها التركي لا تختلف عن حال تنظيم القاعدة المستبعد في الشكل-ولو من باب الحياء-من البدائل الأميركية وحال التنظيمات الموازية أو المرافقة أو الملحقة به باتت على أبواب الإفلاس السياسي وقد تكون الراية الهاشمية بسوادها المظلل بديلاً مقنعاً في الشكل وخياراً تجريبياً في المضمون حتى إشعار آخر.
العكّاز الأردني المزدوج أميركياً وإسرائيلياً يواجه تزاحماً ومنافسة شديدة الوطأة، فيما الحسابات السعودية القائمة على إظهار علاقة الود مع «إسرائيل» لم تكن عفو الخاطر ولا هي مجرد حاجة مرحلية اقتضتها التطورات الأخيرة، بقدر ما تعكس هواجس واقعية من اتساع النفوذ الأردني وشعور السعودية بالاستبعاد الذاتي الناتج عن جملة حماقات ستشغلها ريثما ينضج المشروع الأميركي الذي تتصدر النسخة الأردنية واجهته.
الكذب الأردني يصل إلى خواتيمه في هذا الاستدلال وما يتبعه من شواهد مرفقة بالوثيقة والقرينة، ويخلع ثوب الادّعاء الأجوف ليمتثل لأمر العمليات، حيث الأصوات المتسائلة ببلاهة منذ وقت ليس بالقصير.. لماذا لا تكبر المملكة.. لم تكن من فراغ، ولا هي مجرد افتراض، بقدر ما باتت وَهماً يكبر.. وأضغاث أحلام تزداد وتتسع إلى الحدّ الذي بات الأردن يشكّل فيه النسخة الافتراضية من المشروع الأميركي التي تتهيأ لطرحه بالتداول في وقت لم يعد بعيداً ولا مستبعداً، رغم يقين أميركا وإسرائيل أن هشيم الأردن لا يحتمل التجريب..!!
a.ka667@yahoo.com