ثورة أون لاين: مدير الاستخبارات لفرنسية، "برنار باجوليه"، وخلال مؤتمر حول الاستخبارات في واشنطن، يقول: "الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة". وأكد: "أن دولاً مثل العراق أو سوريا لن تستعيد أبدا حدودها السابقة". وأضاف أن "الشرق الأوسط المقبل سيكون حتماً مختلفاً عن الشرق الأوسط ما بعد الحرب العالمية الثانية".
هذا الكلام الخطير الصادر عن مسؤول أمني غربي رفيع معنيّ بالحفاظ على الأمن والسلم الدولي ومكافحة الإرهاب، هو إقرار وتبشير بنجاح مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يتم تنفيذه ومحاولة فرضه وتطبيقه وجعله أمراً واقعاً بواسطة الجماعات الإرهابية المسلحة المرتزقة، وبالعدوان الخارجي، وبأدوات إجرامية، وإرهابية، وتحت رعاية وإشراف بعض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمنوط بها، كمهمة أولى الحفاظ على أمن واستقرار الدول وحفظ سيادتها، والدفاع عنها في حال تعرضها لمثل هذه الأخطار التي تنتهك حدودها وتهدد استقلاله، لا أن تقوم ذات الدول الدائمة العضوية بتسهيل الإرهاب، ودعمه، وتبريره وشرعنته، وإضفاء الصفات التجميلية عليه وتلميع أصحابه واعتبارهم مرّة "معارضة معتدلة"، وأخرى "ثواراً"، وثالثة "طلاب حرية"، ورابعة لا أدري ماذا.
ولو صدر مثل هذا الكلام عن إحدى الفصائل الإرهابية، وزعمائها، الذين ينشرون الموت والقتل والدمار في سوريا والعراق وغيرها، لربما مرّ مرور الكرام، لكن أن يأخذ بها، ويعتمدها ممثل للنظام الفرنسي الداعم للإرهاب، فهذا يعني ضمناً الموافقة، ومباركة ما يجري من إرهاب، وإجرام وعمليات انتهاك سيادة واستقلال الدول.
ولو تحلّى المسؤول الفرنسي بأدنى قدر من المسؤولية الأخلاقية والقانونية والالتزام بالشرعية الدولية والتمسك بمواثيق الأمم المتحدة لأتت تصريحاته معاكسة ومخالفة تماماً لما قاله، ولكان أدان ما يجري، واستنكره، وطالب الدول الأعضاء بوقفه، والتوحد والتعاون لاستئصال شأفة هذا الإرهاب، ومحاصرته وقطع شرايينه، والدعوة للحفاظ على استقلال وسيادة ووحدة الدول والعمل الجاد على ذلك، لا التطبيل والتزمير والتبشير بانهيار الدول وتمزيقها، ومحو خرائطها، ورسم خرائط فسيفسائية جديدة، لا تحمل إلا عوامل الضعف والتفكك والعجز خدمة لأهداف واستراتيجيات بات يدركها الجميع.
والسؤال الآن لهذا المسؤول وغيره، من رموز الإرهاب الدولي وداعميه، وممن كانوا على دراية وبكل أسف بعبور وتدفق عشرات الآلاف من الإرهابيين المرتزقة المأجورين القتلة "الثوار" من مختلف دول العالم، لا بل سهـّلوا وصولهم، وغضـّوا الطرف عن كل ذلك، ما هو عملكم، بالضبط، إذن؟ وأين، وما هي مسؤولية مجلس الأمن والدول الأعضاء في كل ما يحصل؟ وما هي شرعية ومبرر وجود هذا المجلس، وغيره، من الهيئات الدولية، أصلاً، في حال فشله في التصدي لشتى الأخطار التي تحدق بالدول وتتهدد سيادتها، ووحدته، وأمنها، كما جاء في الميثاق الدولي؟ وهل من بعد الكفر بـ، والتنكر لميثاق الأمم المتحدة من إثم وذنب؟
وبهذا الصدد، فقد كان السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد، رئيس الجمهورية، واضحاً ومباشراً في حديثه للوفد البرلماني الفرنسي، الذي التقاه الثلاثاء، بإشارته إلى ضلوع وتورط فرنسا ورعايتها لكل ما يجري في سوريا من قتل ودمار وإرهاب.
فكل ما أتى في تصريحات المسؤول الفرنسي هو إدانة مباشرة له وللبلد الذي يمثله ويتحدث باسمه، ويعلن من خلالها عجزه وفشله بتحمل مسؤولياته، وتلكؤه عن القيام بمهامه الدولية، واعتراف صريح منه بمباركة، وضلوع فرنسا بالإرهاب والتواطؤ والسكوت عنه، وعن وأدواته واستراتيجياته وأهدافه التي يبشـّرنا بها.
إنه عار فرنسا الكبير، فرنسا الديغولية المستقلة عن جنون وغباء سياسات واشنطن، فرنسا روسو، وفولتير وبودلير وهوغو ولا مارتين، أن تتحول لمجرد إمارة إرهابية، وإلى دولة خارجة عن القانون يقودها ويرسم سياساتها، مثل هؤلاء الموتورون والمجانين وسفهاء السياسة ورموز النخاسة والإرهاب إذ يتساوون ولا يختلفون لا في الشكل ولا في الممارسة والمضمون مع أي إرهابي موتور ومسعور من سفهاء آل سعود.
نضال نعيسة