ثورة أون لاين :
“الخنساء شاعرة الفخر والرثاء” كتاب أصدرته الهيئة العامة السورية للكتاب لمؤلفته الدكتورة سحر عمران تضمن ملامح من حياة الخنساء والتعريف بها إضافة إلى نماذج من شعرها الذي غلب عليه الرثاء والفخر والعاطفة المتدفقة.
وبينت الباحثة الدكتورة عمران أن الخنساء هي تماضر بنت عمر ابن الحارث بن شريد السلمي ولقبت بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبته وينتهي نسبها إلى الشاعر العربي امروء القيس وكانت تكنى ب “أم عمر” وورد ذلك في قول أخيها صخر .. “أرى أم عمر لا تمل عيادتي .. وملت سليمى مضجعي ومكاني.
وتوضح المؤلفة أن الخنساء تزوجت مرتين الأولى من ابن عمها رواحة وأنجبت منه ولدا لكن هذا الزواج لم يدم طويلا لأسباب اجتماعية أما الثاني فكان من مرداس بن أبي عامر السلمي وهو ابن عمها أيضا وأنجبت منه أربعة أولاد مبينة أن الخنساء عندما أدركت الاسلام في أواخر عمرها اعتنقته مع أولادها لذلك تعد من المخضرمين لأنها عاشت في العصرين الجاهلي والإسلامي.
وتعد الخنساء بحسب الدكتورة عمران من أعظم شواعر العرب وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أعلم بالشعر منها وعندما سئل جرير من أشعر الناس فأجاب أنا لولا الخنساء ومما نقل عن بشار ابن برد قوله .. “لم تقل امرأة قط شعرا إلا تبين الضعف فيه .. فقيل له أو كذلك الخنساء قال تلك فوق الرجال”.
وكما ورد في كتاب عمران فإن الخنساء كانت حازمة عاقلة حتى إنها قد عدت من شهيرات النساء وكان يخشاها المتغزلون فلا يجروء أحد على التهجم عليها أو التحدث عنها وإلا لقي ما يسوءه لذا لم يتكلم عليها أحد ولم يتفوه عنها شاعر بشيء يمكن أن ينقل وتحمله الألسن.
وجاء في الكتاب أن خطب فقد الأخ الذي ألم بالخنساء كان عظيما من شدة حبها لأخيها صخر الذي استحوذ على شعرها كله تقريبا مفجرا من عينيها ينبوعي دموع ومن قلبها شعرا هو شعر العاطفة المحبة والمتألمة في محبتها فكان كل شيء يذكرها بصخر طلوع الشمس وغروبها وهو ما أشارت إليه في قولها..”يذكرني طلوع الشمس صخرا .. واذكره لكل غروب شمس”.
ولعل أكثر ما تغنت به الخنساء هو الفروسية التي كان يتحلى بها صخر وركزت عليها الدكتورة عمران فكانت القصائد تتسم بالدقة والشاعرية وحسن انتقاء الروي والبحر والقافية وانسجامها مع العاطفة والدلالات كقولها في قصيدة “يا فارس الخيل”.. “يا لهف نفسي على صخر إذا ركبت .. خيل لخيل تنادي ثم تضطرب قد كان حصنا شديد الركن ممتنعا .. ليثا إذا نزل الفتيان أو ركبوا”.
كما كان في الكتاب أكثر أبيات الشعر الحزينة التي انتقتها عمران دلالة على عمق حزن الخنساء وأهمية صخر في القبيلة وفي حياتها كما هو في قصيدة “عيني جودا ” . . “أعيني جودا ولا تجمدا .. ألا تبكيان لصخر الندى .. ألا تبكيان الجريء الجميل .. ألا تبكيان الفتى السيدا”.
وفي الكتاب أيضا رثاء لأخويها صخر ومعاوية جاء منظوما على البحر الطويل وهو أكثر البحور تلاؤما مع فحول الشعر في العصر الجاهلي فتمكنت من رثاء الاثنين بشكل بنيوي معبأ بالوجدان والأسى والحزن على أقرب الناس إلى قلبها معبرة عن قدرتها الفذة في قول الشعر الذي جارت فيه أهم شعراء العربية فقالت في قصيدة “أرى الدهر أفنى معشري”.. “أرى الدهر أفنى معشري وبني أبي .. فأمسيت عبرى لا يجف بكائيا أيا صخر هل يغني البكاء أو الأسى .. على ميت بالقبر أصبح ثاويا”.
تمكنت مؤلفة الكتاب من انتقاء الأبيات التي كانت أشد حضورا في حياة شاعرة بني سليم الخنساء والتي تجاوزت كثيرا من كبار الشعراء ولم تتجاوزها امرأة حتى عصرنا الحالي مركزة في اختياراتها على شعر الرثاء الذي كان أكثر حزنا في مراثي الشعر العربي نظرا لفقدها أعز الناس عليها.
ويبدو أن الخنساء جاء شعرها على أكثر البحور تعقيدا وصعوبة كما فعل أهم شعراء الجاهلية فكتبت على البحر الكامل والبسيط والوافر والمتقارب فاستخدمت البنى الشعرية والأسس التركيبية بشكل حذر دون أن تقترب في قصائدها من الجوازات أو الاضطرابات فحق لها أن تكون شاعرة لا تنازعها نساء وقد لا يتفوق عليها رجال.
سانا