ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم: تختلط أوراق عدم الانحياز.. ماضيها بحاضرها.. و تختلط معها طموحاتها التي نشأت وترعرعت في موجات المد المتصاعد
قبل أكثر من نصف قرن حين انكفأت بفعل أعاصير الاستباحة الغربية رغم اكتسابها في بعض المراحل التاريخية لمشروعيتها.
صدأ المراكب التي أوقفت إبحارها بانتظار عودة الأمواج إلى سابق عهدها.. كان يغطي المشهد ويفيض أحياناً، حتى اعتقد الكثيرون أن الزمن لم يترك موضعاً فيها.. وأن حضورها تآكل بفعل تقادم السنين.
لكن حين عادت رياح الشرق لتهب من جديد، بدا أن ذلك الصدأ لم يتراكم إلى حد الاهتراء، فمع أول محاولة جادة بدأت حركة عدم الانحياز تنفض غبار ما علق، وتعلن عن مساحات كبرى لحضورها وتقدم نفسها في مشاهد واعدة وطموحات مشروعة.
ربما كان من السابق لأوانه الحكم على نتائج المحاولة.. لكن أمام تعرجات التاريخ والالتواءات الحادة في العلاقات الدولية التي تطوي شراعها إيذاناً بتبدلها، تتوفر الفرصة لمسالك سياسية حقيقية وطموحة يمكن للحركة أن تنفذ من خلالها لترى الضوء من جديد في مشهد العلاقات الدولية.
تدرك الارادات الجادة داخل هذه الحركة أن النتائج محكومة بالضرورة بما يمكن أن يتوافر لديها من عوامل موضوعية وهي بالتالي ليس لديها أوهام حول المسألة ولا تعلق على آمال خادعة يمكن أن تبرز هنا وهناك.
وفي الآن ذاته، تدرك أن العوامل الذاتية هي الاخرى تفرض صورتها النمطية القادمة من عهود الحرب الباردة وما راكمته عبودية القطب الواحد، وتتلمس في الوقت ذاته مؤشرات العودة إليها وتحاجج بهذه المؤشرات لتبرير ذلك التقاعس الناتج عن هذه العوامل لانخراط بعض دول الحركة في أدوار تلك الأحادية وما علق منها، رغم يقينها بأن العودة إلى الاحتكام إلى مبارزات الحرب الباردة لا يمكن إلغاؤه من المعادلات القائمة.. ولا يمكن تجاهل حضوره في الحسابات الجارية على مستوى السياسة كما هو على مستوى الفاعلية داخل اطار الحركة.
ما هو مؤكد على الأقل في صيرورة المبادئ التي ارتكزت عليها الحركة أن المناخ العالمي بمتغيراته الأولى يشي بفسحة ولو كانت محدودة، لإعادة انتاج نسخة معاصرة تحاكي جوهر الحاجة لوجودها اليوم.. وربما مبررات استمراريتها في وقت لايخفى فيه على أحد أن التكتلات السياسية والاقتصادية والإقليمية التي أنتجها النظام العالمي بأحاديته القطبية تموج تحت ضغط أزماتها، بما يهدد بانفراط عقد وجودها.. وفي حده الأدنى إعادة النظر بمبررات هذا الوجود وبالتالي العمل استباقياً على تدارك ما يمكن، والحد قدر المستطاع من الخسائر المحتملة.
وفيما تبدو التكتلات تلك في حلقة من المخاوف والهواجس المشروعة.. تتقدم عدم الانحياز خطوة نحو استعادة أضواء مدها المتصاعد على وقع تلك المتغيرات ودورها، وتفتح بواباتها على وقع الأصداء الايجابية التي ولدتها عودة الروح إلى القوى الاقليمية ليكون لها موقعها خارج حسابات الهيمنة وبعيداً عن تجاذبات الحرب الباردة المحتملة واحتمالاتها، وقد تخلصت من رجس الارتهان للآخر وأحكام مصالحه.
لا أحد ينكر أن التحديات ربما كانت مضاعفة عن كل المراحل التي سبقتها، غير أن هذه التحديات بوجوهها المتعددة تتيح الفرصة لاستنهاض قدرات بشرية واقتصادية إذا ما تم تغطيتها بالارادة السياسية للمساهمة في تشكيل المشهد الدولي، وما يفرضه من معادلات جديدة تقتضي بالضرورة إعادة المحاصصة داخل مجلس الامن بما فيه مقاعده الدائمة.
وفي المنحى الموازي له، تقدم المفاعيل السياسية الطموحة داخل قاعات الاجتماعات في طهران الغطاء والدافع لإعادة تشكيل مد سياسي بمفعول رجعي يستقوي بجذر المبادئ الأساسية فيما يستند في مبادرته إلى الروح التي أنتجتها النسمات القادمة من رياح الشرق، ونكهتها الانسانية واعتباراتها المتعاكسة والمتناقضة إلى حد التضاد مع براثن الهيمنة الغربية وأطماعها الاستعمارية.
لذلك، لم يعد الاصطفاف السياسي خياراً متاحاً فحسب، بل حاجة تُملي حضورها إلى حد الضرورة، تلك المساحات المشتعلة وماتعكسه من ممانعة في مواجهة أطماع وأحلام وأمجاد بائدة.. وهي تدرك إلى حد اليقين أن المعارك هي حد فاصل بين تاريخين، يبحث فيها التاريخ الجديد عن بصمة لـ«عدم الانحياز» تختلف أو في حدها الأدنى لا تشابه بصمات ذاك التاريخ الذي ذهب وإن كانت في كل الأحوال ممهورة بروح الشرق..
a.ka667@yahoo.com