ثورة أون لاين- خالد الأشهب: لا أنتم ولا أنا في الصين كي يسعفنا مقهى للحزن والبكاء أنشىء حديثا هناك «نذهب إليه كي نترجم أحزاننا نواحاً مريراً مع خدمات الموسيقا الحزينة وتقديم البصل المفروم والفلفل الحار والمناديل الورقية»
بل لن يحتاج العربي مقهى وخدمات من هذا الطراز أبداً.. لطالما يعيش في هذه الجغرافيا العربية المترامية الأطراف، من الماء إلى الماء، ولماذا يفعل أو يحتاج.. إذا كان كل بلد فيها وكل مدينة وكل بلدة وشارع «بل كل ما يحدث في جنباتها لا يبعث على الاكتئاب فحسب على طريقة خدمات المقهى الصيني» بل على النواح والعويل ودون حاجة إلى محرضات وحوافز على الحزن، فهذه عندنا أكثر من أن تعد وتحصى وتصنف!
قبل «ربيع» الثورات العربية إياها كنا حزانى، لكن، لم يكن البكاء واجباً بل صدقة أو حجاً لمن أحب إليه سبيلا، وبعد ذلك «الربيع» صار الحزن خبزنا وماءنا وكفاف يومنا، بل صار كبعض «الجهاد» يقطر دماً على نصل سكين.. صار فرض عين سواء أحببت أو كرهت السبيل إليه!
أليس ثمة داع للبكاء وأنت ترى العرب في كل مدينة وشارع عربي اليوم كالقطعان المذعورة آتية غادية من وفي كل الاتجاهات، فلا رعاة ولا أسيجة ولا حتى عصا تلجم الخارج عن القطيع إلى سفك الدم.. وتؤوي الداخل منه إلى السكينة؟!
أليس ثمة داع للنحيب وأنت ترى ما أصاب عظيمات الديمقراطية بين الأنياب» بعد أن لم يترك الغرب فيها علكة لحم، فرماها واستغرق يتفرج ويضحك على لهاثنا الدامي.. وعلى لحانا، وأنيابنا تقطر من دمنا وتمزق لحم بعضنا البعض كما لم يفعل مفترس يوما بفريسة ضحية؟!
أليس ثمة داع للعويل وأنت ترى كيف سوينا حرثنا بقوائم إبلنا دعساً، فذهبنا بالحقل والبيدر معاً إلى حيث نشعل ناراً تحرق ما اخضر قبل ما يبس، فلا نحن تدفأنا ولا انقشعت عتمتنا سوى إلى بركة هنا وبركة هناك من دمائنا.. فموءود ومقبور هنا ومقطع الأوصال هناك من أوطاننا وأبنائنا وأحلامنا؟!
أليس من داع للنحيب وأنت ترى مشط «التحضر والحرية والديمقراطية» يسوي ما تحدب من رؤوسنا وهاماتنا بما تقعر وانحنى يلثم الأرض، فلا فارق بين من يعلم ومن لا يعلم، ولا فضل لـ « ثائر « على آخر إلا بما ذبح وسفك وخرب وأحرق؟!
لا نحتاج مقاه للحزن فكل أوطاننا مزارع له، ولا نحتاج استبكاءً ومحرضات بكاء وعويل فحريتنا بصل مفروم متعفن حتى الغثيان والتقيؤ، وديمقراطيتنا فلفل حار حتى الاحتراق والرماد، وانتماؤنا مثقوب يرشح دماً حتى الجفاف والتحطب… نحتاج مقهى للقاء والحوار، ومناديل نصنع منها أسمالاً تستر إنسانيتنا.. إذا كان ثمة إنسانية عندنا أو ما تبقى!!