ثورة أون لاين-نضال نعيسة:
أوليس من باب المفارقات المرة والقاتلة، أن تصاب فرنسا، عاصمة النور، وحاملة لواء التنوير للعالم، بهذه الدرجة الخطيرة من العمى السياسي؟
هزة زلزالية كبرى بأكثر من عشر درجات على مقياس ريختر السياسي لجهة الصدمة العنيفة التي أصابت فرنسا يوم الجمعة الفائت، كما بالنسبة للارتدادات الداخلية والخارجية التي أحدثتها، والتي لم تكن تتوقعها في أسوأ كوابيسها وحساباتها. فالمسؤولون الفرنسيون، وربما بسبب درجة الغباء والعمى السياسي الذي تمتعوا به، مؤخراً، كانوا يعتقدون، على الدوام، بأن رياح سلاح الإرهاب ستجري بما تشتهي سفنهم، ومشيئة ربـّانها المتصهين برنار هنري ليفي، العقل المدبر الـMastermind، وفيلسوف الفاشية الاستعمارية الجديد، ومنظـّر وراعي الفوضى الخلاقة بشقها الفرنسي.
لقد تداعى "هيكل" الإرهاب الذي الذي شيـّده اليمين "الاشتراكي" الفرنسي على رؤوس أصحابه وحاشية هولاند التي لا تزال حتى اليوم تتجاهل، وترفض بعناد وتناحة الإشارة بشكل مباشر إلى رؤوس وأفاعي الإرهاب الإقليميين والدوليين الكبيرة، ومن ثم، توجيه الطائرات الفرنسية والأساطيل البحرية إلى تلك الأوكار التي ما فتئت تفرّخ الإرهاب وترسله، خبط عشواء، إلى أصقاع العالم، كافة، ليضرب هذه المرّة، "الصديق" والحاضن الفرنسي، نفسه، والمسهّل للإرهاب، في سوريا، على مدى خمس سنوات تقريباً.
بهذا الصدد، تداولت صفحات "الميديا" الاجتماعية، كاريكاتوراً مـُعبـّراً يجمع ما بين أوباما، وأحد قاطعي الرؤوس الدواعش، وهولاند، فيما بدا الرئيس الأمريكي وهو يربـّت على كتف الرئيس هولاند، معلـّقاً على أحداث الجمعة الأسود، بالقول: "لا تحزن يا صديقي، إنها نيران صديقة." التضمين واضح كما الرسالة، والسخرية المرة اللاذعة.
لم يكن هولاند، كما العادة في تصريحاته الصقورية المعروفة وقد أتت الصدمة، وربما الشعور بالإثم والذنب، على بعض من كبريائه الفارغ، في خطابه أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، البرلمان، فما الذي ما يزال يمنع رئيس فرنسا، والحال، من تسمية الإرهابيين الحقيقيين ورؤوس "الدواعش" الإقليميين والدوليين الكبار بأسمائهم، ويلحق بنائب الرئيس بايدن الذي أشار لتركيا، والسعودية، وقطر والإمارات، قبل عام ونيـّف في محاضرته الشهيرة أمام مجموعة من الطلبة والأكاديميين في جامعة هارفارد؟
لم تعد الدبلوماسية واللياقة وأدب الكلام والحوار تنفع وتصب في إطار أية مصلحة وطنية أو حتى خاصة ونار الإرهاب باتت تلتهم الأجساد الحية والطرية في كل مكان، ووصلت شوارع المدن الفرنسية التي خالها هولاند وبطانته الإرهابية وحلفاؤه الإرهابيون الدوليون والإقليميون بعيدة عنه، فهذا الإخطبوط الإرهابي، بأذرعه الطويلة الضاربة، لا يميـّز ولا يفرّق بين عدو وصديق وفق الكاريكاتير، إياه، الذي يسخر من أبي الدواعش وعرّابهم الكبير أوباما وتابعه "قفة" الفرنسي.
ربما كانت الغطرسة، والغرور الشخصي الأجوف، والمكابرة الفارغة، ومقام الرئاسة المنتشي بإرث القوة الاستعمارية السابقة، وفوق ذلك كله، وهو الأهم، الخوف من التداعيات والمسؤولية القانونية التي قد تصل حد الاتهام بالخيانة العظمى بالنسبة لرئيس فرنسي يتحالف مع قتلة الشعب الفرنسي فيما لو تدحرجت التحقيقات في قنوات قانونية نزيهة، نقول ربما كانت تلك عوامل تقف كلها حائلاً أمام أن يفتح الرئيس الفرنسي عينيه ويسمـّي الأشياء بأسمائها، وربما لو كان لديه ما يكفي من الجرأة والشجاعة الأدبية، لتقدّم، على الأقل، باعتذار علني للشعب الفرنسي، لكن الحقيقة التي تقف بين "هولاند" وبين موقف رجولي بعيد عنه، حقيقة ربما ما زال يجهلها قسم معتبر من الشعب الفرنسي، وهي أن بلدهم، وعلى أعلى المستويات، متورط مباشرة بالإرهاب الدولي، ويدا رئيسهم ملطختان، بكل أسف، ليس بدم الشعب السوري وحسب، بل بدم الشعب الفرنسي، هذه المرة، وبالذات.
![](https://thawra.sy/wp-content/uploads/2022/02/photo_٢٠٢٢-٠٢-٢٥_٢١-٥١-٢٣-150x150.jpg)
السابق