ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير:علي قاسم:
ستصفق المشيخات لقرار وزراء داخلية الأعراب، كما لم تصفق من قبل، حالها في ذلك حال إسرائيل التي ما فتئت تصفق لصفاقة المشيخات وإن لم تكتفِ به، بل تعلنها على الملأ حالة من «النشوة» بقرار المشيخات التي استدرجت ما تبقى من الأعراب، وفعلت ما لم يجرؤ أحد في العالم على الخوض فيه، أو الذهاب بعيداً في التجني على الحقيقة والمقاومة ووجودها.
وتيرة الحقد التي ترتفع كلما علت أصوات التصفيق تتناغم مع المطلب الإسرائيلي، وربما التمني الإسرائيلي الذي بقي سراباً لعقود خلت، وهو يصب النار على الزيت، ويزيد في الطنبور نغماً، حين يجد أن مواقف الأعراب والمشيخات تحديداً، تقترب منه بشكل مفاجئ، وبما لم يتوقعه الإسرائيليون في أفضل الفرضيات والاحتمالات، التي كانت تحاكي واقعاً، أوصل مختلف المحاولات الإسرائيلية إلى الحائط المسدود، بما فيها تلك التي كانت تجري لمحاباتها في النطاق الأوروبي وما بعده.
فحين تصفق الأعراب، علينا أن نتخيل الأسوأ، وأن نجزم بأن ما أقدمت عليه، يفوق كل ما سبقه، وعلى المنطقة أن تتهيأ لفصل جديد من الكوارث المتنقلة، وهي ترسم خطاً بيانياً متصاعداً من الأزمات المتفجرة، التي تُشعل ما لم تشعله كل الأطماع والمؤامرات، وما عجزت عنه غرف الاستخبارات المفتوحة منها والمغلقة، وما فشلت في حياكتها كواليس الأقبية السرية.
سبق للأعراب أن صفقت يوماً للخروج على الإجماع العربي، والعرف العربي، والتاريخ العربي، والوجود العربي، والواقع العربي، وصفقت بعدها لمصادرة العمل العربي المشترك ولميثاقه الجماعي، بما فيها جامعته المرهونة، منذ أن تفردت المشيخات بقرارها وتاريخها ووجودها وحضورها، وكان العرب أمام كارثة مفتوحة وجراح مثخنة لا تهدأ إلا كي تعيد الاشتعال في تفاصيلها، وهي تنتقل في الجسد العربي من حالٍ مزرٍ إلى آخر تعجز التوصيفات عنه.
وبعد كل تصفيق، كانت الأعراب تغوص في قاع لم تعرفه يوماً الجغرافيا، ولم يتعرف إليه التاريخ، ولم تتمكن منه الإحداثيات والخرائط، التي تعمل مكاتب الاستخبارات الغربية وغير الغربية على رسم خطوط الطول والعرض فيها، وتشتغل مقصاتها، لتكون نماذج الخرائط المحدثة على مقاس أطماعها، ووفق مواصفات ما تتطلبه بقايا الهيمنة الأميركية والغربية على مقدرات المنطقة، بحيث يكون الناتج النهائي مطابقاً لما تريده إسرائيل، بل محققاً لما عجزت عنه.
الأعراب المستدرَجَة اليوم لتكون نسخة من المشيخات .. بدأت تعرِّف الإرهاب ومنظماته، وبدأت ألسنتها تتحدث عن شكل الإرهاب ومواصفاته، والأعراب نفسها التي صمتت دهراً عن كل إرهاب طال العرب والمنطقة، عادت لتنطق كفراً بالأمة ووجودها وتاريخها وإرثها وما تبقى لها من أطلال، قبل أن تذروها رياح العدم العاصفة من مشيخات النفط وممالك الرمل!!
الاستدراج لم يكن إسرائيلياً بحتاً، ولا هو نتاج العقل الإسرائيلي الذي عجز على مدى أكثر من ثلاثين عاماً أن ينال من المقاومة، ولا هو فقط يعبّر عن الحاجة الإسرائيلية والرغبة الإسرائيلية والقراءة الإسرائيلية، بل يترجم بأمانة ما تقتضيه المهمة الحقيقية لتلك الأعراب والدور الوظيفي لتلك المشيخات، بحيث يتفوق على ما كان الإسرائيلي يمني به النفس، وما كان يتمناه قادته ومجرموه، بما فيه أن يستيقظوا ذات صباح على خبر يبتلع المقاومة، وها هم يمسون على قرار من المشيخات تصفق له الأعراب يتجاوز مقدرة العقل على تصوره.
التحفظ لا يكفي، والاعتراض أيضاً لا ينفع، والتنديد لا يغيّر كثيراً في المعادلة، وما تحتاجه الأمة وما تقتضيه أمانة الوجود للخط المقاوم أبعد من ذلك، فالمشيخات لم تعد تخفِ وجوهها ولا أدوارها، والسعودية التي كشفت عن وجهها الحقيقي ودورها الوظيفي، حين تجرأ أحد على انتقاد عدوانها وحروبها ودعمها للإرهاب، أضحت حالة مرضية متورمة في المنطقة وخارجها، وهذا يحتاج إلى وضع النقاط التائهة في المشهد العربي على حروفه، وأن تتم تسمية الأشياء بمسمياتها.
قد يكون من قدر المقاومة أن تواجه أعتى حملات الاستهداف، وأن تكون في مواجهة مع أعداء غير مسبوقين, ومع أعراب أسقطت أقنعتها ومشيخات خلعت قفازاتها، لكن ما هو مؤكد أن التاريخ سيكتب يوماً شرف المواجهة مع إسرائيل، ووسام كشف نفاق الأعراب، وربما وهو الأهم وضع نقطة البداية في خط النهاية للأدوار الوظيفية للمشيخات، حيث التقاطع مع الإسرائيلي علامة فارقة، ونقطة تحول ومنعطف أساسي في مواجهة انفتحت، ولا يمكن أن تغلق من دون أن تحسم حدود متاريسها ومساحات خنادقها.
a.ka667@yahoo.com