ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
تصر إخوانية مرسي أن تصدم العقل العربي أكثر مما هو مصدوم، ولا يكاد يصحو من صدمة حتى يتفاجأ بأخرى أكثر هولاً من سابقاتها، وهي تؤدي في تبعية مسلوبة تعكس حال الوضع العربي في عهدة الإخوانية.
والأدهى من ذلك أنها تلح على إعلان طلاقها مع العروبة وقضاياها، بمناسبة أو دون مناسبة، وهي تبني تحالفاتها وتحركاتها من مفهوم التركيز على تهديم الأمن القومي العربي، إلى أن وصل الأمر إلى الدفع بمصر الإخوانية إلى أن تكون في الضفة الأخرى، ليس كخادم أمين للمصالح الأميركية والإسرائيلية، بل أيضاً كرأس حربة لخوض المواجهة باسمها وبالنيابة عنها.
والفجيعة لم تقتصر على رداءة الأداء السياسي، بل في محدودية العقل الإخواني وانغلاقه وعجزه عن الخروج من عنق الإخوانية والجماعة، والإصرار على تحجيم مصر الدور والموقع والريادة، بما يتوافق مع مشهد الجماعة وتصالحاتها المسبقة التي أتاحت لها الوصول المشروط إلى السلطة.
في أسوأ الحسابات السياسية، لم يكن أحد يتخيل أن الإخوانية بتاريخها المديد، وثوابت المجابهة المحتدمة مع المشروع الصهيوني، والعلاقة المتأزمة مع أميركا، أن تجري ذلك الانقلاب الحاد في تحالفاتها، ولا أن تصبح في الجهة الأخرى.
المفارقة الفعلية، أن الإخوانية تتنكر اليوم لأهم ثوابت ومرتكزات الأمن القومي العربي, وجذرها العلاقة السورية المصرية, لأن ما بناه جمال عبد الناصر وما عجز عن هدمه السادات ومن بعده مبارك لن يكون بمقدور مرسي أن يتجاوزه تحت شعارات زائفة ومضحكة، أو إرضاء للحاقه بالركب الخليجي، ولهاثه المتواصل لمغازلة الأدوار المستجدة منها والعفنة.
على مدى ثلاثين عاماً ونيف، ظل الوجع المصري في الخاصرة العربية دون توقف، وكلما واجه منعطفاً تاريخياً كانت الأوجاع تزداد حدة، وآلام الانحسار في دوره وفي موقعه تزيد من الغصة العربية.
الذاكرة العربية المتخمة بتلك الأوجاع كانت تكابر على آلامها، مدفوعة بحلم الدور الريادي لمصر الذي استنهضته الحقبة الناصرية وزرعت في جنبات الوطن العربي رايات اليقين بالعودة يوماً.
في رياح التغيير التي شهدتها مصر، كانت الآمال تسابق التطورات وفي بعضها استبقت الأحداث لترسم أحلاماً وردية بالخلاص من أغلال كامب ديفيد ورموزها، وتسرعت في أحيان كثيرة حتى وقعت في مطبات التمني أكثر مما كانت تحاكي الواقع.
ورغم حجم الانكسارات التي بدأت باكراً، فإن الرهان استمر على تلك المتغيرات، التي أعلنت طلاقها مع حقبة الرئيس مبارك، لكنها لم تعلن القطيعة مع ما أورثته هذه الحقبة، بل سرعان ما كانت تجدد الإيحاء بأنها الامتداد الطبيعي وربما الأفضل لاستمرار العلاقة بكل مورثاتها، وخصوصاً لجهة الحفاظ على كامب ديفيد والتعلق إلى حدود الاستباحة بالرضا الأميركي.
من الطبيعي أن نرثي حال مرسي.. ومن المنطقي أن نتوجع من المنعطفات الحادة التي يجر إليها مصر.. وأن نتألم من الدور الذي يريد إلباسه عنوة لها ومن الموقع الذي يرغب في زجها به..
لسنا وحدنا من يرى في هذه الوصاية الإخوانية على مقدرات مصر، وتحويلها إلى تابع يدور في فلك المشروع الغربي وبعض أدواته خطراً يفوق مخاطر ماظهر منها حتىالآن.. بل يشاركنا الشعب المصري، كما هو حال الشعب العربي المنتظر عودة مصر بدورها الريادي وموقعها ..
وإذا كانت مشيخات الخليج ودولاراتها قد غيبت الحقيقة لبعض الوقت، فإنها عاجزة عن الاستمرار في ذلك، وخصوصاً مع المصريين، وأن تطاولها وتورمها اليوم لن يعدل في المسار.. وأن العواقب الوخيمة التي تنتظر تلك المشيخات لا نريد لمصر أن تكون جزءاً منها.. ولا أحد يرغب أن تتحمل تبعات المراهقة السياسية المزدهرة هذه الأيام.. ولا أن تكون بيدقاً تتم التضحية به عند أول استحقاق.
a-k-67@maktoob.com