الحســــم فــــي ســــوريــة.. لمــــاذا تأخـــر؟ و متــى ســيكون؟…

ثورة أون لاين –العميد الدكتور أمين محمد حطيط : كثيرة هي الاسئلة التي طرحت حول حلب والمواجهات فيها، أسئلة دارت حول الاسباب التي جعلت المعركة فيها تتأخر فلا تحسم حتى الآن، وحول طبيعة النتائج المترتبة على هذه المعركة وفقاً للاتجاه الذي ستؤول اليها في النهاية.

وجاءت اعلانات عصابات الارهابيين عن «قرارهم» وحشدهم لحسم المعركة في الايام القليلة القادمة لتزيد من الاسئلة التي كانت تطرح في هذا الموضوع، وبعد كل هذا نعود الى السؤال الاساس:لماذا استهلك هذا الوقت في حلب وما النتائج المتوقعة فيها ميدانيا والمترتبة عليها سياسيا؟‏

آ- للاجابة نرى في البدء انه من المفيد أن نذكر بقواعد تعتمد في العلم العسكري واستراتيجيات الصراع حيث إن هناك نظريتين و لكل منهما شروط اعمال ومهل للوصول الى النتائج المتوخاة.‏

النظرية الاولى هي نظرية «القوة البحتة» والتي ترتكز في التطبيق على تدمير قوة العدو تدميراً يمنعه عن العودة الى الميدان ما يحقق «بالانهيار الميداني» له. ولهذا النوع من القتال شروط ثلاثة تتمثل في قرار يتخذ بقتل افراد العدو في السقف الاعلى الممكن وتدمير عتاده واهلاك البيئة التي يتحرك فيها او يتحصن في منشآتها، والثاني القدرة على محاصرة المنطقة المستهدفة ومنع تعزيزات ترسل الى العدو من خارجها او ظهور قوى جديدة تعمل استكمالاً لدوره، والثالث يتضمن قراراً بتحمل اي نسبة في الخسائر البشرية والعتاد والمعدات مهما بلغت.‏

فاذا طبقنا هذه المبادئ على معركة حلب نجد ان سورية لم تتخذ ولا يمكنها ان تتخذ قرار القتل والتدمير الشامل لانها تواجه المسلحين على ارضها وفي الاحياء والتجمعات السكنية للشعب الذي يتمسك بدولته وحكومته ويرفض الارهابيين وسلوكهم ووجودهم، ثم ان حلب ومنطقتها هي ملاصقة لحدود الدولة التي اسقطت كل الاقنعة وخالفت كل الشرائع والقوانيين وجاهرت بدورها في دعم العمل الارهابي ضد سورية وآوت الارهابيين واقامت لهم مناطق التدريب والتحشد واستمرت على سلوكها العدائي حتى الآن ولم يغير في الحال ادعاءها بانها اخرجت قيادة الارهابيين من اراضيها، لان لهذا الاعلان تفسيراً آخر لا علاقة له بدورها في دعم الارهاب ضد سورية، اما في الشرط الاخير فاننا نعلم مدى حرص القيادة السورية على جنودها كحرصها على شعبها وعدم قبول التفريط باي جندي الا اذا كان لا بد من الامر وقسراً وبشكل يفرضه الميدان. وعلى هذا تكون استراتيجية «القوة البحتة» التي تختصر المهل و الاوقات غير ممكنة الاعمال في الحالة تلك.‏

ب – اما الاستراتيجية الثانية وهي استراتيجية الإذعان فإنها تقوم على المواجهة المستدامة الى الحد الذي يقود الخصم او العدو الى القناعة بان استمراره في العمل في الميدان او البقاء فيه سيكون أمراً مكلفا ثم انه لن يكون له افق في الانتصار ولن يكون له اثر او جدوى ولن يغير واقعاً، عندها يضطر الى التوقف والتراجع والتسليم بعجزه فيخرج. وفي الحالة القائمة في حلب وسورية عامة كان على الدولة ان تواجه العصابات الارهابية أولاً ومن ورائها رعاتها الاقليميون وفوقهم قيادة جبهة لعدوان بعمل وسلوك يفهمهم بان سورية ثابتة صامدة وان الارهاب مهما اوقع من خسائر و دمار فيها فانه لن يسقطها، وفي مرحلة ثانية تشعرهم بأن النار التي اضرمومها على الارض السورية لن يكونوا بمنأى عن لهيبها وان عليهم مراجعة الحساب والتوقف عن العدوان، سواء المباشر على الارض السورية او عبر الدعم انطلاقا من دول الجوار خاصة من تركيا ولبنان.‏

وقد أدت هذه الاستراتيجية حتى الان الى نتائج هامة يمكن ذكر بعضها كالتالي:‏

1 – الحؤول دون تمكن الإرهابيين رغم الحجم و القدرات التي بلغوها (مئة الف مسلح تقريبا) ورغم كل الدعم الخارجي و الاحتضان الذي لاقوه من قوى العدوان و قيادتها، الحؤول دون تمكنهم من السيطرة على اي بقعة و بسط سلطتهم عليها بما يمكنهم من تحويلها الى قاعدة سياسية للحركة الارهابية التفتيتية.‏

2 – تشكل حالات اليأس والاحباط لدى العصابات المسلحة وتشظي قيادتها وتناحرها واعتزال البعض وفرار الآخر وعودة آخرين عن غيهم و الثواب الى الرشد والتخلي عن حمل السلاح بوجه الدولة لقناعة منهم بأن السلاح لن يؤدي الى تغيير ولن يوصلهم الى نتيجة.‏

3 – فشل كل محاولات الجمع وتشكيل القيادات الموحدة للحركات المعارضة سواءعلى الصعيد السياسي او العسكري والاستمرار في تفسخ هؤلاء الى الحد الذي سقط فيه اي احتمال لقيام سلطة او حكومة مؤقتة رغم التشجيع الغربي خاصة الاميركي و الفرنسي لاقامة الحكومة الانتقالية.‏

4 – فتح كوة في الجدار الذي اقيم بوجه العمل السياسي الداخلي وكان لمشهد مؤتمرات القوى المعارضة السلمية والمدنية التي عقدت في دمشق مؤخرا خيردليل على قوة النظام والحكومة السورية في ادارة الشأن السوري العام.‏

5 – لجوء المعارضة الارهابية المسلحة الى عمليات الانتقام وارتكاب المجازر بشكل جنوني تعبيراً عن حالات اليأس والاحباط.‏

6 – خشية تركيا من تمدد الحالة الارهابية اليها وانطلاقها في عملية مراجعة للسلوك ستقود في النهاية الى تجفيف مصادر الارهابيين المنطلقين منها، و الامر ذاته بدأ في لبنان مع تشدد الجيش البناني في مراقبة الحدود وضبط عمليات التسلل وتهريب السلاح.‏

7 – شعور عالمي متزايد بان النار في سورية اذا لم تطفأ فانها ستنتقل حتما الى كل المنطقة ويكون من مصلحة من اضرمها ان يسعى الى تسوية وحل يطفئها.‏

ب – أما على صعيد النتائج وتوقيت الحل فإننا نميز بين امرين :‏

1 – الأول يتعلق بمصير المواجهة وهنا نستطيع وبثقة المراقب المتمسك بقواعد العلم العسكري والمتتبع لمجريات الميدان ان نقول بأن حلم المسلحين الارهابيين بالنصر وفي اي مستوى كان هو وهم اكيد، كما ان مناورتهم للاستمرار في قتال يؤخر الهزيمة ويكسبهم الوقت لاستقدام مزيد من الدعم والتدخل، هي مناورة بائسة يائسة لان الاوراق التي يمكن اللجوء اليها استعملت كلها في الميدان السوري ولم تحقق نتيجة يبنى عليها، ويبقى الوضع الثالث الذي لا مفر منه و هو تجرع هزيمة بات بعضهم يتلمسها ولهذا نجدد التشظي والتشتت وانفراط الجمع المعارض لينأى كل واحد بنفسه عن الخطر القادم.‏

8 – الثاني يتعلق بالمهلة المتوقعة للانتهاء من المواجهة الميدانية، وهنا نلفت الى ان العمل المسلح الجاري على الارض السورية ليس موحد الاهداف اصلاً، حيث اننا نميز في الامر بين فئات أربع من مقاصده، ونبدأ بالمعلن منها وهو اسقاط النظام، يليه في حال الفشل – والفشل بات امرا واقعا- تدمير قوى الجيش السوري وانهاكه واخراجه من معادلة المواجهة مع اسرائيل كونه الجيش العربي الوحيد المتبقي اليوم في هذا الميدان، ويضاف الهدف الثالث الذي يتمثل بتدمير البنية الثقافية والتاريخية والاقتصادية لسورية لمنع قيامها مجدداً والزامها بان تكون دولة فاشلة اسوة بالدول العربية التي ضربتها يد العدوان الاميركي الصهيوني، وأخيراً نصل الى الهدف الرابع وهو الاجهاز على الشعور الوطني والقومي الذي تميز به السوريون لاحلال شعور الطائفية والعرقية والمذهبية مكانه لمنع تشكل حالات الوحدة الوطنية مكانه مستقبلا وهي الوحدة التي لا بد منها لقيام الدولة القوية.‏

من هنا ومع تعدد الاهداف والاستراتيجيات المعتمدة لتحقيقها، فإننا نرى ان سورية بحاجة للوقت الاضافي لتعطيل العمل الارهابي والعدوان المسلح الذي يستهدفها خاصة في الهدفين الثالث والرابع وبعد ان بات الفشل مؤكدا للهدف الأول، وان الجيش السوري نظم مناورته في المواجهة بما يمنع تحقق الهدف الثاني.‏

وعلى ضوء ذلك ومع قناعتنا بان العدوان على سورية فشل، وبأن سورية لن تنتقل من موقعها الاستراتيجي الذي كان سببا في الاصل للعدوان عليها فاننا نرى ان كل المنخرطين في العدوان عليها باتوا على قناعة بان الحل لن يكون كما يريدون، ولن يكون بالقوة المسلحة لانهم عجزوا عن الانتصار، ولأن سورية لم تعتمد استراتيجية القوة البحتة كما ذكرنا، ولذلك بات موضوعياً القول بان سورية هي اليوم على عتبة اعلان انتصارها على المؤامرة، وان اعمال العنف الى تراجع اكيد، اما الحل النهائي الذي يعيد الاستقرار الى تمامه، فانه لن يكون الا على طاولة حوار يتحلق حولها كل مؤمن بسورية وعزتها وسيادتها ويرفض العنف والارهاب ويعارض أي نوع من اانواع التدخل العسكري الاجنبي او الاستعانة بالاستعمار متذكرا بان الظالم المستعمر لا يمنح حرية ولا حقوقاً لأحد.‏

* أستاذ جامعي وباحث استراتيجي‏

 

 

آخر الأخبار
سرقة 5 محولات كهربائية تتسبب بقطع التيار عن أحياء في دير الزور "دا . عش" وضرب أمننا.. التوقيت والهدف الشرع يلتقي ميقاتي: سوريا ستكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين إعلاميو اللاذقية لـ"الثورة": نطمح لإعلام صادق وحر.. وأن نكون صوت المواطن من السعودية.. توزيع 700 حصة إغاثية في أم المياذن بدرعا "The Intercept": البحث في وثائق انتهاكات سجون نظام الأسد انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في القنيطرة "UN News": سوريا.. من الظلام إلى النور كي يلتقط اقتصادنا المحاصر أنفاسه.. هل ترفع العقوبات الغربية قريباً؟ إحباط محاولة داعش تفجير مقام السيدة زينب.. مزيد من اليقظة استمرار إزالة التعديات على الأملاك العامة في دمشق القائد الشرع والسيد الشيباني يستقبلان المبعوث الخاص لسلطان سلطنة عمان مهرجان لبراعم يد شعلة درعا مهلة لتسليم السلاح في قرى اللجاة المكتب القنصلي بدرعا يستأنف تصديق الوثائق  جفاف بحيرات وآلاف الآبار العشوائية في درعا.. وفساد النظام البائد السبب "عمّرها" تزين جسر الحرية بدمشق New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق