ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
تأخرت أميركا في «إفتائها»، وتأخرت أيضاً في توقيتها، فضبط الإيقاع في الميدان يرسم حركات السياسة ويحكم قبضته على تلوناتها، حيث يلح السؤال عن مصير التفاهمات الروسية الأميركية بعد تصريحات الناطق باسم البنتاغون،
التي ينفي بها أي تعاون مع العسكريين الروس على حد زعمه، وسط سيل من التحليلات والاستنتاجات حول أبعاد فك الارتباط بين النصرة والقاعدة والاسم الجديد لها المصنّع أميركياً، إذ لا يخفى على أحد أن المتداول عملياً في الخطاب الدولي والقرارات الأممية هو جبهة النصرة كتنظيم إرهابي، فيما «فتح الشام» الماركة الأميركية الجديدة لا وجود لها في تلك التصنيفات!!
بداية.. لا بدّ من التذكير بقضية في غاية الأهمية قبل أن تجرفها الأحداث والتطورات بعيداً عن الأضواء، وتتعلق بصيغ عمل أميركية كانت قد أنجزتها التفاهمات مع روسيا، وتوصلت في نهاية المطاف إلى وعد أميركي باستهداف مواقع تنظيم جبهة النصرة في سورية، وكانت هذه الخطوة منتظرة فعلياً خلال بضعة أيام، لكن الذي حدث على المسار الميداني أن اسم «النصرة» قد اختفى، بينما إرهابيوها باتوا تحت مسمى جديد، وتستطيع أميركا اليوم أن تحاجج أن استهدافه يحتاج إلى قرار أممي يضع التنظيم الجديد على لائحة الإرهاب، أو في الحد الأدنى يحتاج إلى مباحثات مع الروس وإنتاج تفاهمات جديدة تقرّ في نهايتها باستهدافه مما يوفر مساحة إضافية للتسويف الأميركي.
هذه المتاهة السياسية تعيد إلى الأذهان توقيت فك الارتباط، ولماذا تم بهذه السرعة وبهذه البساطة، بعد سنتين على الأقل من المحاولات اليائسة، وكيف يمكن تسويقها حتى على مستوى العلاقة الأميركية مع تنظيم القاعدة وحدود إمساكها بمساحة الإفتاء داخله.؟!!
في التفاصيل المتواترة عن الأبعاد.. والتي تستدرجها التطورات في خانة الأمر الواقع، أنه ليس في الأمر أحجية أو لغز، بقدر ما هو قائم في قرار أميركي مسبق له أكثر مما عليه، حيث التفاهم مع الروسي حول استهداف مواقع جبهة النصرة كان يقتضي خطوات عملية أميركية بدت واشنطن في حلٍّ منها بعد طرح الماركة الجديدة لإرهاب أميركا تحت مسمى «فتح الشام»، والأخطر أنه يبعد ولو جزئياً أو مؤقتاً بعض الأوراق الروسية التي لم يعد بمقدورها أن تطالب واشنطن بفك العلاقة بين التنظيمات الإرهابية المحسوبة على خانة «الاعتدال» الأميركي ومنها الماركة الأخيرة، تحت ذريعة أن سجلها الإجرامي لم يسجل ما يدفع إلى اعتبارها تنظيماً إرهابياً أو ما يشير إلى وجودها المتطرف على الأقل من ناحية اللوائح الأممية..
على الضفة الأخرى.. كانت التطورات الميدانية تقلب المعادلة باتجاهات متباعدة، بحيث قلبت معها أيضاً التفاهمات، أو أبعدتها بشكل متوازٍ إلى حدود التضاد أو التعارض، بدليل أن الكثير مما كان يعوّل عليه من خلال تلك التفاهمات بات خارج التداول بحكم الأمر الواقع، إذ إن تقدم الجيش السوري وحلفائه في حلب أخرج أميركا عن طورها وأفقدها قدرتها على إعادة ربط خيوط كانت تتوهم إحكام قبضتها عليها، بينما كانت حادثة إسقاط المروحية الروسية واستشهاد طاقمها في مناطق سيطرة إرهابيي «فتح الشام» والمعتدلين بالتوصيف الأميركي نقطة تحول في سياق القرينة على هذه و تلك، أو بمعنى آخر لا فرق بين الاعتدال الأميركي والتطرف الوهابي، ولا اختلاف في التوجه والمضمون.
عند هذا الحد تبدو المقاربة التي يمكن ان تستقيم هي تلك السائدة فعليا على الأرض، وتتحدث بوضوح عن تغييرات جذرية في لغة التفاهم الروسي – الأميركي، وأن اللعبة الأميركية داخل تلك التفاهمات باتت خارج الوقت المستقطع الذي كانت تراهن عليه إدارة اوباما ودبلوماسية كيري المتحولة، ما يقتضي بالضرورة الحتمية أن جميع «معتدلي» أميركا باتوا في عداد النصرة ذاتها حتى لو تغير الاسم، و«فتح الشام» لم تحدث سوى إضافة المزيد من علامات التبويب إلى لوائح الإرهاب .
فروسيا التي مارست أقصى درجات ضبط النفس واستخدمت مساحة من الصبر رغم نفاده أحياناً وفق بعض التوصيفات حين هادنت الأميركي في مراحل سابقة، وتعاطت بكثير من التروي مع انزلاقات الإدارة الأميركية السياسية وغير السياسية وتهور خياراتها، أوصلت رسالتها الواضحة بأن الوقت اليوم للعمل ضد الإرهاب وفي مقدمته.. «نصرتها» سابقاً و«فتحها» لاحقاً، حيث الإفتاء الأميركي المرسل ببريد أدواتها الإقليمية إلى القاعدة وما بعدها.. أضحى مجرد عبث في الوقت ما بعد الضائع..!!
a.ka667@yahoo.com