مرتزقة أميركا وعكاز الإرهاب

ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـلي قـاسـم:
رغم الاهتمام الغربي غير المخفي فعلياً بلقاء بطرسبورغ، فإن محاولات التشويش لم تكن ظاهرة بما يكفي، ولم تكن بالصخب الذي توقعه البعض، لكنها لم تخلُ من مبالغة لدى الكثير من الساسة الغربيين، وهم يجدون في المحاولة تمريناً إضافياً بمواصفات نوعية،

أرادت أميركا أن تجري اختباراً أولياً على تفاعلاته، عبر محورين أساسيين، الأول كان على لسان الاستخبارات الأميركية بالحديث عن استهداف روسيا عبر الإرهابيين، والثاني بحديث مسرب عن إرسال مرتزقة أميركيين جدد إلى سورية، ربما كانوا المؤشر على جدية الأول.‏

فأميركا اعتادت في كل حروبها استخدام المرتزقة، ولها باعها الطويل في هذا المجال، والجميع يشهد بذلك، بل ربما كانت صاحبة تجربة غير مسبوقة، حين ارتبطت مجموعات كبرى من المرتزقة الأكثر شهرة على مستوى العالم باسم أميركا، حتى تحول بعضها إلى مصطلحات في السياسة والإعلام وحتى الدبلوماسية، وتم استخدامها على نطاق واسع، ولم يكن المبدأ غائباً في يوم من الأيام عن الحسابات الأميركية ولا عن ممارساتها.‏

لكن شكل المرتزقة تغيّر من حقبة إلى أخرى، وإن ظلّ في نهاية المطاف يحرك العمل الأميركي في حروبه المباشرة كما في حروب الوكالة التي أدارتها أميركا في حقب زمنية مختلفة، لكنها في حرب الإرهاب التي تقودها والتوءمة معه لجأت إلى تعديل الصيغ، وفي بعضها أنشأت نماذج جديدة غير مطروقة سابقاً، عبر سلسلة من المحاولات والتجارب، وهو ما يثير الكثير من الطروحات المتباينة والاستنتاجات المتناقضة عن خفايا وأبعاد الاضطرار الأميركي لتلك الاستعانة المتأخرة نسبياً في حروب فوّضت فيها وكلاءها نسبياً على مدى سنوات تجاوزت الخمس.‏

التسريبات القادمة من أروقة الإدارة الأميركية وعبر وسائل إعلام محسوبة على إدارة الرئيس أوباما، شكلت نقطة تحول في توقيت سياسي، لا يمكن تجاهل ما فيه من رسائل، بحكم ما ينطوي عليه من تفسيرات تتعلق أساساً باللجوء الأميركي للمرتزقة ليكونوا إلى جانب الجنود الأميركيين، ومدى ارتباط ذلك بإفلاس أميركا أو تزعزع ثقتها على الأقل بالتنظيمات الإرهابية، التي شغّلتها على مدى السنوات الماضية، والخيبة من المشغلين الإقليميين الذين فشلوا في تحقيق الأهداف الأميركية، وإن لحظة الانعطاف الميداني اقتضت في الحد الأدنى العودة إلى النبش في الأوراق الأميركية القديمة.‏

في التفاصيل الملحقة بالتسريبات تحضر جملة من المعطيات الواضحة في سياق المنتج الأميركي لمفهوم المرتزقة، بدءاً من التنظيمات الإرهابية ومنهج استخدامها، وصولا إلى الدول الراعية والممولة والمشغِلة مباشرة لتلك التنظيمات، وجميعها في المنطق الأميركي لا تخرج عن المفهوم ذاته، مع اختلاف في التسمية، فالإرهابيون المعتدلون بالتوصيف الأميركي ليسوا أكثر من مرتزقة يعملون بأجر لا تدفعه أميركا، أو على الأقل ليس من حسابها الخاص، بينما المرتزقة المباشرين وعبر ما اصطلح على تسميته بالشركات الأمنية يقتضي موافقة على التمويل وصرف مبالغ من الخزينة الأميركية، وهذا لا بد من توفير ما يبرره، وما يسمح بتمريره على المشرعين الأميركيين حتى لو جاء تحت بند مصروفات مكتومة أو سرية.‏

ما يضفي الجدية على التوقيت الأميركي في تسريب إرسال الإدارة الأميركية لمرتزقة رسميين ومعتمدين هو حديث نائب رئيس الاستخبارات الأميركية عن خطط لاستهداف العسكريين الروس من خلال عمليات إرهابية انتحارية عبر إرهابيين، وهم بالنهاية جزء من منظومة مرتزقة أميركا وأدوارها، وأن يكون المرتزقة مستأجرين لتنظيم وتخطيط تلك العمليات ضد الروس، بما يعنيه ذلك من انتقال المواجهة من منابر السياسة إلى الميدان، ومن حروب التوكيلات والرسائل المرمّزة داخلها عبر أطراف ثالثة إلى حروب مباشرة ولو كانت عبر مرتزقة أو إرهابيين، حيث يصبح الفارق بين النموذجين مجرد اختلاف في التوصيف أو التسمية.‏

الأخطر.. أن يكون الانزلاق الأميركي بالعودة إلى نبش أوراق المرتزقة وشـركات القتل المأجور، جزءاً من مشهد التجاذب القائم، ودليلاً إضافياً على حالة إفلاس تواجهها أميركا من تجارب السنوات الماضية، ومشهد عجز تريد أن تداريه بتغيير في التكتيكات المستخدمة، أو من خلال توسيع دائرة المواجهة بتدعيم عكاز الإرهاب المتداعي والمهتز، لتكون روسيا هدفاً مباشراً للحرب الأميركية بوكلائها أو مرتزقتها، أو رداً غير مباشر على محاولة روسيا سحب تركيا من البساط الأميركي ولو كان ذلك مستبعداً منطقياً، بحكم الإرث الثقيل من العلاقة والدور الوظيفي التركي في خدمة المشروع الغربي والأميركي في المنطقة.‏

الفارق هنا يجد تفسيره في أحاديث الميدان على مختلف جبهات المواجهة، التي تقود إلى الجزم بأن المواجهة لم تعد حكراً أو حصرية مع تنظيمات إرهابية اعتدلت أو تطرفت، بقدر ما باتت مع رأسها المدبر ومع أجهزة إدارتها المباشرة منها وغير المباشرة، وأطراف قيادتها الميدانية والاستخباراتية، ما يدفع إلى الجزم بأن الاصطفاف السياسي بات أقرب إلى الواقع أكثر من أي وقت مضى، وإن كان من السابق لأوانه الحسم بأن الاصطفاف التركي يمكن له أن يتجاوز عثراته، أو أنه سيصل يوماً إلى مرحلة تؤهله ليكون قادراً على الاختيار رغم السلم الروسي المحكم بعد لقاء بطرسبورغ.‏

a.ka667@yahoo.com

آخر الأخبار
حلب تطلق حملة للكشف المبكر عن سرطان الثدي "مياه درعا" تكشف السبب الرئيسي لتلوث المياه في نوى مناقشة تطوير الاستثمار الوقفي في ريف حلب و"فروغ" المحال الوقفية وزير الأوقاف يزور مصنع كسوة الكعبة المشرفة جهود لتحسين الخدمات بريف دمشق دراسة إشراك العاملين في حكومة الإنقاذ سابقاً بمظلة التأمينات الاجتماعية أكاديميون يشرحون  الإصلاح النقدي والاستقرار المالي..  تغيير العملة سيؤدي لارتفاع البطالة ..اذا  لم ! مفاضلة القبول الجامعي تسير بسهولة في جامعة اللاذقية مرسوم رئاسي يمنح الترفع الإداري لطلاب الجامعات اجتماع الهيئة العامة لـ"غرفة دمشق": الشراكة لتعزيز الصناعة والتنمية الاقتصادية تبادل البيانات الإحصائية..  مشاركة سورية فاعلة للاستفادة من التجارب العالمية  " المالية"  تغيّر خطابها.. من الجباية إلى الشراكة مع " الخاص" الشيباني يجتمع مع وزير الدفاع اللبناني في السعودية ما دلالة انعقاد المؤتمر الدولي حول الأسلحة الكيميائية في سوريا؟ بخبرات سورية مكتسبة…عمليات قلبية مجانية بمستشفى ابن رشد في حلب صحة الأم النفسية، صحة الجنين.. كيف يؤثر التوتر على الحمل؟ صحة درعا تطلق حملة الكشف المبكر عن سرطان الثدي انهيار في مبنى "الداخلية" يخلف جرحى الضحايا تحت الأنقاض.. والطوارئ في سباق مع الزمن الشيباني يلتقي وزير الدولة الألماني للتعاون الاقتصادي في السعودية الشيباني يلتقي الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي في السعودية