ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـلي قـاسـم:
يفرد تشرين أوراقه هذا العام، وقد أضاف إلى حقائبه ما تراكم بفعل التطورات التي تستحضر بالضرورة ما كان يُراد له أن يندثر، وتستجمع الكثير مما راهن البعض على تلاشيه، أو توهم أنه لزمن مضى، ولا يمكن التعويل عليه بعد كل هذه السنوات، وبعد كل هذه التطورات العاصفة التي تجتاح العالم من غربه إلى شرقه ومن شماله إلى جنوبه.
المقاربة الواقعية للذكرى تتحدث بكثير من الثقة بأن العوامل والظروف المؤاتية التي كانت حاضرة في سياق التحضير لحرب تشرين تنضج بالتدريج، مضافاً إليها ما برز من متغيرات تحتم استعادة ما غاب عن الذاكرة أو على الأقل توظيف ما نتج وما قد ينتج في إطار الاستفادة العملية من سياقات ما تحقق، وبالتحديد حين كانت التحديات الناشئة تعيد خلط الأوراق قديمها بجديدها، وتعيد معها ترتيب التحالفات التي تستعيد في الحد الأدنى بعضاً من سمات مرحلة المواجهة في المشهد الدولي، وإن اختلفت أو تباينت الخلفية.
لا ننكر حجم المتغيرات التي أفضت إلى تبدلات جوهرية في شكل المواجهة، وتعديلات بنيوية لأدواتها ووسائلها وحتى في أطرافها، لكنها في نهاية المطاف تتخندق في الموضع ذاته مع بعض التحولات، وإن كانت لا تختلف عما كان قائماً بما في ذلك لائحة استهدافها، وأن كل ما يجري يتم تدويره ليكون في خدمة الإسرائيلي، وترويجاً مباشراً لإعادة هيكلة المنطقة لتكون على مقاس رغباته ومصالحه، وبما يتوافق مع الأطماع الغربية التي أعلنت صراحة عن مكوناتها وما تمليه من تداعيات خارجة عن نطاق المنطق والعقل.
وفي الوقت ذاته لا يغيب عن ذهننا حجم المخاطر المحدقة التي تتجاوز في الكثير من مفازاتها ما كان قائماً، بل تتجسد في بعض التفاصيل فيما هو أبعد من سياق المواجهة التقليدية المعتادة، وتبرز معها مساحات هائلة من الفجوات القابلة لتكون نقطة انفجار متنقلة لا تكتفي بما هو دائر في المنطقة بقدر ما تخضع لعوامل ومعطيات خارجها، وتهدد مساحات كبرى من العالم.. أساسها وجوهرها حالة الاشتباك في المصالح الدولية، التي وصلت نقطة التعارض فيها حداً لا تسمح فيه بالمساومات، ولا تستطيع أن تغض الطرف عنه أي تفاهمات جزئية، ما أفسح في المجال أمام بروز نقاط مواجهة مستجدة قابلة لتكرار مجموعة من سيناريوهات الرعب على المستوى العالمي.
في المعركة التي تخوضها سورية بات جلياً أنها معركة تنوب فيها عن العالم في التصدي للإرهاب، وتواجه عبره ما هو أبعد من مجرد تنظيمات إرهابية بأذرع إقليمية وعالمية، تتشابك فيها عوامل الصراع على أشده، واستطاعت سورية بإرادة شعبها، وببطولات استمدت جذوتها من تجارب مديدة كان تشرين أحد نماذجها، وأضفت عليها ما هو أكثر وضوحاً في سياق النتائج التي تحققت، حيث لم تكتفِ بإنهاء أسطورة من ادعى أنه لا يُقهَر في حينها، بل مَنْ يقف خلفه، ومن توهم أنه لا أحد يستطيع أن يكسر إرادته أو ينازع رغباته أو أن يواجه مفردات أطماعه، في لوحة من الصمود الأسطوري.
تشرين يحضر في خنادق المواجهة وعلى جبهات حرب مفتوحة، فما يجري اليوم يفوق كل فرضية وكل قرينة أو شاهد، وجميع ما استجد منه يعيدنا إلى تلك الدفاتر والصفحات، ويستشهد أن الإرادة السورية عبر أبطال الجيش العربي السوري أعادت -لعقود خلت- بوصلة الزمن وحددت هوية واتجاه التحولات، وهي اليوم بتضحيات شعبها وصموده وببطولات جيشها لا تكتفي بتلك العقود فحسب، بل ثمة نقطة فاصلة في التاريخ العالمي، تستمد محوريتها من هنا.. ومن نتائج ما تسطره أسطورة الصمود السوري بجيشه وشعبه وقيادته.
في محاكاة الوضع العربي الذي كان يشهد أكثر حقبه سوداوية -وإن كان يتفوق مأساوية في الكثير من فصوله- ينفطر الوجدان على ما ظهر من موبقات ترسم خطها الفاصل بين تاريخين ومشهدين، حيث الأعراب كانوا قاطرة الاستهداف لتتهتك ورقة التوت الأخيرة، فأذرعه وما هو أبعد منها تتسق مع الإسرائيلي، فيما شركاء المواجهة ورفاق الخندق والتضحية يحتاجون إلى خطوة تعيد لتشرين روح المقاربة فيه، وإلى بطولاته توقيت انتصارها وألق الحسم المنتظر، وإلى الإرادة العربية المشتركة التي صنعت انتصارات تشرين وجودها وفاعليتها، لأنها حين تتكامل بين شطري الأمة وجناحيها يكون لتشرين فصل إضافي على أسوار خنادقه، التي تحتاجها الأمة بوجدانها، بعد أن افتقدته ردحاً من الزمن ساحاتها وجلسات ساستها ومنابر إعلامها.
a.ka667@yahoo.com