ثورة أون لاين – خالد الأشهب:
مع كل انتخابات رئاسية أميركية ينفتح سوق المراهنات العربية على هوية القادم الجديد إلى البيت الأبيض وماهية ما ينوي فعله في القضايا ذات الصلة بالعرب ومشكلاتهم , وترى بعضنا نضرب أخماساً بأسداس ويقرأ الفناجين ويستطلع المستشارين عله يهتدي إلى سيناريو أو مشهدية ما تطمئنه أو تبعث فيه القلق ,
خاصة أن السياسة الخارجية لأميركا هي المدخل إلى فهم وتحديد إحداثياتنا العربية والإسلامية على سطح هذا الكوكب .
صحيح أن السياسات الداخلية المتصلة بالضرائب وفرص العمل والعائلة والإجهاض وغيرها , شكلت عموداً فقرياً في خيارات الناخب الأميركي ولفترة طويلة وربما لا تزال , إلا أن السياسة الخارجية التي لا يتساءل الناخب الأميركي حولها كثيراً هي من يصيبنا ويؤثر فينا ويستقطب اهتمامنا , ذلك لأن ثمة فارقاً بين منطقي السياستين لا يدركه الأميركي كما يدركه العربي الملسوع والملدوغ عادة من هذا الفارق .
ولطالما كانت السياسة الخارجية في خدمة السياسات الداخلية في أميركا .. تبررها وتمولها وتضفي عليها مشروعيتها وبريقها , ذلك أن الطبيعة الرأسمالية للنظام السياسي الأميركي , والتي بلغت وتجاوزت حدود التوحش منذ زمن بعيد , لم يكن لها أن تتوقف عند نهش الجسد الداخلي للمجتمع الأميركي اقتصادياً لو لم تتوفر لها أجساد أخرى خارجية تنهشها , فالديمقراطية والرفاه والمنسوب العالي للحريات الفردية وكل ما يرمز إلى “ الحلم الأميركي “ داخل أميركا لم تكن لتتوفر للأميركيين إلا حين بدأت حاملات طائراتهم تجوب أعالي البحار وواطئها , وحين انتشرت قواعدهم العسكرية بعشرات المئات حول العالم !
هذه المشهدية المتبادلة بين السياستين الخارجية والداخلية في أميركا , والتي ربما لا تعجب الكثيرين منا ممن يظنون أن “ الحلم الأميركي “ هو انتاج أميركي محض تصميماً وتمويلاً وتسويقاً , والذين يجلدون ذاتهم أكثر مما تحتمل هذا الذات في تفسير المفارقة الصارخة بين العرب وأميركا .. هذه المشهدية هي التي تفسر اهتمامنا بالشأن الداخلي الأميركي من انتخابات وغيرها , وتفسر القلق الذي يتناهبنا في متابعة متغيرات هذا الشأن !!
وفي الواقع فإن الحملات الانتخابية المتصلة بالسياسة الخارجية للمرشحين كلينتون وترامب هذه المرة مثلاً وكل مرة , لا تناقش أبداً التدخل الأميركي في أنحاء العالم المختلفة من حيث تثبيت وجوده أو نفيه , بل تناقش فقط تطوير أدواته ومنظوماته بحسب ما يراه منها كل مرشح , خاصة بعدما نجحت الماكينة الإعلامية الأميركية الجبارة والموازية تماماً لحاملات الطائرات والبوارج والصواريخ في تثبيت فكرة أن الحضور الأميركي في كل مكان من العالم هو بديهية لا ينبغي الخوض في اثباتها أو نفيها ؟
على هذا واصلت السياسات الخارجية الأميركية الثبات في اتجاه وخط سيرها دائماً في غالبية قارات العالم ومناطقه وتجاه مختلف القضايا والمشكلات العالمية , وبحيث أن الفارق بين مرشح رئاسي أميركي كهيلاري كلينتون وآخر كدونالد ترامب , وسواء كان هذا جمهوري وكان الآخر ديمقراطياً .. لا تعني العالم الآخر إلا من حيث نسبة المطابقة بينهما , وبحيث لن يختلف الأمر كثيراً حين يغدوان كلاهما دونالد كلينتون؟؟