ثورة أون لاين – أمين حطيط:
في أقل من إسبوع اتخذ الغرب الذي يشن حربه العدوانية على سورية منذ 21 شهراً ونيّف، في أقل من إسبوع اتخذ هذا المعتدي او ألمح الى اتخاذ تدابير قد يقود جمعها وتحليلها بشكل تكاملي إلى القول بأن الغرب الذي «كان على عجلة من أمره» لحسم المسألة السورية لصالحه
وتسليم الحكم فيها إلى جماعات عقد معها الصفقة – الفضيحة التي تضمنت تصفية القضية الفلسطنية على حساب حقوق أهل القضية، إن هذا الغرب لم يعد بمقدوره الانتظار أكثر وأنه يتحضر للتدخل العسكري المباشر والمتدرج لتحقيق أهداف عدوانه، وجاء في هذه التدابير تباعاً:
قرار الناتو الاستجابة الى المطلب التركي بنشر بطاريات من صواريخ الباتريوت على الحدود مع سورية، بذريعة حماية الشعب التركي «من هجوم مزعوم» قد تقوم به سورية في معرض معركتها الدفاعية التي تخوضها ضد الإرهاب والمسلحين الذين اتخذوا من تركيا قواعد لهم، وشكلت تركيا الحاضن الجغرافي والسياسي واللوجستي لهم.
تهديد الغرب جماعة وفردى، وعلى لسان أميركا ثم الناتو ثم تباعاً من قبل من تبقى من تابعيها الأوروبين، تهديدهم لسورية «بأوخم العواقب» إذا استعملت الأسلحة الكيماوية ضد القتلة والارهابين الذين ترعاهم القوى الخارجية المعتدية على سورية بالقيادة الأميركية.
تسريب إحدى الصحف «الاسرائيلية» (معاريف) لخبر الخطة الغربية – على حد توصيفها – للقيام بعمل بري ضد سورية من أجل السيطرة على مخازن الأسلحة الكيماوية، بغية منع استعمالها من قبل قوى النظام ومنع تسليم أجزاء منها الى حزب الله، وإن هذه الخطة أرسيت على قاعدة إعداد واستعمال 75 ألف جندي من الاطلسي و«اسرائيل» وبعض الدول العربية لتنفيذ المهمة.
تصاعد الحملة الإعلامية وبشكل هستيري ضد النظام في سورية والترويج لقرب سقوطه المزعوم، إلى درجة استعمال عبارات مثل «أي لحظة» أو «ساعات» أو «أيام» أو «إسبوع»، أو «إسبوعين» كحد أقصى لحدوث هذا السقوط، وهو ترويج ساهم به أكثر من طرف أو جهة لا نجد فائدة من ذكرهم الان.
ولكن قبل إجراء تقدير للموقف على ضوء ما تقدم وصولاً الى تحديد ما اذا كانت الحرب حقيقة واقعة مستقبلاً ام لا، فإن المنطق السليم يفرض الإجابة على سؤال أساسي حول طبيعة البيئة السياسية والعسكرية أو الظروف التي ترافقت تلك السلوكيات معها، حيث نجد منها ما يلي :
فشل الخطة العسكرية الميدانية الغربية العدوانية التي وضعت لإسقاط دمشق ومنطقتها، وهي الخطة التي نفذت من قبل 40 ألف مسلح، وضعت بتصرفهم أعلى تقنيات الاتصال، وتم تزويدهم بالسلاح النوعي (شاملاً الصواريخ ضد الطيران والمدرعات)، خطة كان يعوّل عليها لحسم الأزمة لصالح الجهة المعتدية. ولكن الجيش السوري تمكّن من إيقاع المسلحين في دائرة النار فقضى فيها على الآلاف منهم في اقل من عشرة أيام.
فشل المشروع الأميركي في توحيد المعارضة السورية في كيان سياسي تشرف هي عليه وتقوده كما تمارس العمل ذاته اليوم في كل من مصر وتونس وليبيا، وبروز قوى معارضة صلبة ترفض التدخل الأجنبي وترفض العنف والقوة طريقاً لحل الأزمة، ثم وقوع اختراق إيراني وآخر روسي باتجاه المعارضة السورية ما تسبب بخيبة أمل أميركية دفعت الغرب الى كبح اندفاعته التي نفذها فور إعلان «الائتلاف السوري المعارض»، والتي تُرجمت بتسرع بعض الدول للاعتراف بهذا الائتلاف ثم تبين لهم خواء ما قاموا به.
فشل الخطة الرامية إلى قطع الصلة بين محور المقاومة (إيران وسوريا والمقاومة في لبنان) مع المقاومة والقضية الفلسطنية، حيث تأكد المخطط ان التحاق حماس بالمحور التسووي للقضية الفلسطنية على أساس التنازل عن 78% من أرض فلسطين التاريخية، والقبول بدولة مقيدة ومحدودة الصلاحيات تقوم على 22% من الاراضي المتبقية من فلسطين (غزة والضفة)، ان هذا لن يقود الى التصفية بعد ان انبرت فصائل فلسطنية مقاومة وجاهرت بعلاقتها بالمحور وإصرارها على اعتبار المقاومة هي الخيار الفعلي والجدي لتحرير فلسطين.
ج. استناداً الى هذه الحقائق، يستطيع المتابع المعني والمراقب للحدث السوري أن يستنتج بأنّ الغرب قام بهجومه التهويلي المتقدم التفاصيل من أجل إعادة التوازن الى المشهد والموقف المتشكّل إثر إخفاقاته المذكورة، وهي إخفاقات متنوعة الطبيعة من عسكرية وسياسية واستراتيجية، أحدثت للغرب صدمة لا يمكن الاستهانة بشدتها كما لا يمكن تصور تسليم الغرب بسهولة بهذه الإخفاقات خاصة إنّ العالم وتحديداً منطقة الشرق الأوسط تمر في مرحلة حرجة وهي مرحلة إعادة صياغة العالم ونظامه الجديد، ولذلك يكون اندفاع الغرب في هذه الطريقة جاء من أجل التغطية على اخفاقاته ايضاً.
د. لكن السلوكيات الغربية تلك لم تمر من غير رد من قبل المعسكر الدولي المقابل الذي جهز نفسه لكل احتمال بما يقابله ومع قناعته بأن الحرب والتدخل الأجنبي في سورية لم تحن اوقاته وانه يظل حتى هذه اللحظة مستبعداً، لا بل يمكن القول بأنه شبه مستحيل لأن الغرب يعلم أن تدخله في سورية لن يمر من غير تدخل عسكرري مقابل وبشكل يلهب المنطقة ويغيّرالمشهد كله في غير صالحه، وبالتالي فالغرب على يقين بأن المعسكر الآخر يعلم بان المواجهة العسكرية لن تكون الآن وأن كل ما في الأمر هو حرب نفسية تهدف للتعويض عن خسائره المتعددة ولاعادة توازن ما الى المشهد، ورغم ذلك فإن المعسكر الذي تنتمي سورية إليه إقليمياً ودولياً لم يدع الامر يمر من غير ردة فعل، بل إنه قام، وفي الفـرة ذاتها، بما يفوّت على الغرب أهدافه حيث سجل ما يلي:
قرار روسي بتنفيذ العقد مع سورية وتزويدها بصفقة صواريخ «اسكندر» الاستراتيجية والمكافئة للصاروخ باترويوت بما يقود الى إفراغ القرار الأطلسي من محتواه ويمنع تغير المعادلة في هذا المجال.
إقدام إيران على إهباط طائرة «ايغل» الأميركية وهي طائرة بدون طيار، وهي عملية شكّلت صفعة شديدة الأثر السلبي على المعنويات الأميركية، وأجبرت الولايات المتحدة على التنصل من الطائرة، كي لا تعترف لإيران بانتصارها المثلث الأبعاد تقنياً وعسكرياً واستراتيجياً.
تعامل سورية مع مسألة الأسلحة الكيماوية بهدوء وثقة بالنفس فوتت على الغرب ما كان يريد، فلم تؤكد او تنفي وجود الاسلحة لديها لكنها نفت إمكانية استعمالها ضد الشعب إن وُجدت، وهنا ينبغي أن نتوقف عند عبارة ضد الشعب والباقي يفهمه المطّلع والخبير في الشأن.
و في الخلاصة نقول أن كل ما يروج عن قرب حرب أو تدخل عسكري أطلسي في سورية، إنما هو مجرد حرب نفسية وسلوك تعويضي، وجمع اوراق قوة للربيع المقبل حيث باتت إرهاصات المفاوضات الدولية تلوح في الأفق بعد قناعة جبهة العدوان أن بلوغ أهدافها بالعمل العسكري بات مستحيلاً، وأن حل الازمة السورية لن يكون إلا عبر طاولة تفاوض دولية يحشد فيها كل فريق أوراق قوته ويتخلى عن أوراق الضعف، وبهذا نفسر القرار الأميركي الأخير باعتبار «جبهة النصرة « تنظيماً ارهابياً لغسل اليد الأميركية من جرائمها قبل الدخول في المفاوضات الآتية.
وفي الختام، لا بد أن نسجّل للفريق المدافع عن سورية احترافه في إدارة معركته الدفاعية وبنجاح ملفت (في وجوهها السياسية والعسكرية والاستراتيجية كلها حتى وفي الحرب النفسية ذاتها) أدى الى هذه النتائج.