ثورة أون لاين:
تعد الثروة البشرية الحامل والمحرك الأهم لتحقيق التنمية بجميع مجالاتها.
ويعتبر عدم استثمارها وعدم توظيفها بسوق العمل خسارة كبيرة ليس للأدمغة من أصحاب الشهادات العليا والإجازات الجامعية فقط وإنما أيضاً خسارة للمهنيين وللأيدي العاملة وللبلد بشكل عام.
تبدو هذه المسألة في محافظة حماة غير مهمة، حيث تنتشر البطالة وينتظر طالبو العمل سنوات طويلة دون الحصول على عمل.. والمفارقة الغريبة أن الشركات الإنتاجية والمؤسسات الخدمية في المحافظة تعاني من نقص بالأيدي العاملة والكوادر الإدارية في نفس الوقت الذي يوجد فيه عشرات الآلاف من الكوادر الإدارية ومن طالبي العمل في مكتب التشغيل على قائمة الانتظار لمدة تجاوزت 17 عاماً لتأخذ فرصتها لتأمين مصدر دخل وتساهم بالعملية التنموية والإنتاجية.
من المسؤول عن الخلل؟
هذا الواقع يعكس خللاً كبيراً تتحمله الجهات المعنية بالمحافظة التي تقوم بالتخطيط وعملية التنمية والإنتاج متجاهلة سوق العمل والإمكانات المتوافرة لأن الحكومة تعتمد في توزيع خارطة الاستثمارات والمشاريع والتمويل على دراسات ومشاريع تقدمها الجهات الإدارية والانتاجية والخدمية بالمحافظات.
وأحياناً تمنح الحكومة أكثر بكثير مما تطلبه تلك الجهات، كما حصل بتنفيذ مشاريع استثمارية وتنموية مثل إقامة مشاريع صناعية وغيرها.
وتقوم الحكومة بتمويل الشركات المتعثرة مثل شركة صناعة الإطارات وغيرها والوحدات الإدارية المحلية العاجزة عن تأمين رواتب موظفيها، علماً أن تأمين رواتب الوحدات الإدارية يجب أن يكون من استثماراتها وحسن إدارة مواردها، ويقع على عاتقها تأمينها.
ومن خلال تحليل أرقام إحصائية لمكتب التشغيل بمديرية الشؤون الاجتماعية بحماة حصلت عليها (الثورة) يتبين أن عدد المسجلين في مكتب التشغيل بلغ (223255) طلباً منذ 1/ 3 / 2001 ولغاية 5/ 2/ 2018، وبالتدقيق بأسماء الذين تم تعيينهم نجد أن عددهم يبلغ (21473) أي بنسبة 9,6 % من مجموع عدد المسجلين.
3٫5 % فقط تعينوا بالترشيح!
ومن الذين تم تعيينهم نجد أن بينهم /13678/ معينين استثناءً، أي ضمن برنامج تشغيل الشباب أو ممن درسوا جامعات أو معاهد أو ثانويات ملزمة بالتعيين وسواها.
وهم يشكلون 6٫1%
بينما يبلغ عدد الذين تم تعيينهم عن طريق الترشيح 3,5% ويبلغ عددهم /7795/، وهذا يشكل مؤشراً واضحاً على عدم التنسيق بين جهات الإنتاج وسوق العمل من حيث التخطيط والاستفادة منها، والمحزن أنه لا يزال خارج سوق العمل 90,4% من المسجلين بمكتب التشغيل.
67٫2 % إجازات جامعية بلا عمل
من المؤسف أن يكون عدد الحاصلين على فرص عمل من حملة شهادات الدراسات العليا والإجازات الجامعية فقط (9260) من أصل (28238) مسجلاً.. أي بنسبة (32،8%) فقط.
ما سبق يعطي مؤشراً سلبياً عن استيعاب الجامعيين بسوق العمل وتعاطي الجهات الحكومية معهم خاصة أن معظمهم من الفقراء الذين يعتبرون العلم مصدراً وحيداً لتأمين لقمة عيشهم ولتعويض ما أنفقه أهلهم عليهم لتعليمهم، ولتأسيس أسرة وتطبيق ما تعلموه من علوم بالجامعات على الواقع.
أرقام مديرية الشؤون الاجتماعية تبين أن عدد المسجلين من حملة الشهادات العليا والإجازات الجامعية يشكلون نسبة 12,6% من إجمالي عدد المسجلين، واللافت أيضاً أن معظم من تعيّن يأتي ضمن الذين أشرنا إليهم بالتعيين الاستثنائي من خريجي الكليات الملزمة بالتعيين وعددهم (8987) بينما من تم تعيينه من خريجي الجامعات غير الملزمة بالتعيين عن طريق الترشيح عبر مكتب التشغيل هم (273) فقط وبنسبة 3% من إجمالي المعينين.!!
بالمحصلة لا يزال (18978) خريجاً جامعياً أي بنسبة 67،2% من إجمالي المسجلين بمكتب التشغيل ينتظرون منذ سنوات الحصول على فرصة عمل دون جدوى.
ومن خريجي المعاهد 11٫6% فقط!
خريجو المعاهد ليسوا أحسن حظاً من خريجي الجامعات، فقد بلغ عدد المسجلين منهم بمكتب التشغيل /28207/ بنسبة تعادل 12,6% من إجمالي عدد المسجلين بكل الفئات.
وبلغ عدد من تم تعيينه منهم /3289/ أي بنسبة 11,6 % من الحاصلين على شهادات المعاهد والمسجلين بقوائم التشغيل. أما المعينون استثناء منهم فعددهم (2329) أي بنسبة 70,8% كون عدد المعاهد الملزمة بالتعيين مرتفعاً.
بينما يبلغ عدد من تم تعيينهم من خلال الترشيح (960) بنسبة 29,2% فقط.
وبذلك يكون عدد العاطلين عن العمل منهم (24918) بنسبة 88,4% من إجمالي خريجي المعاهد المسجلين، ما يشير إلى خلل أيضاً بالتخطيط وضياع كبير لقوة العمل، خاصة أن كثيرين من الطلاب يضحون برغباتهم بدراساتهم الجامعية مقابل اختيار الدراسة بالمعاهد كونها الطريق الأقصر مادياً.
والمستغرب أن المعاهد تضع سياسة قبول الطلاب وفق الحاجة وليس استيعاب كل المتقدمين، فأين شعار ربط الخطط بالحاجة بالتخطيط..
4 % نسبة المعينين على الثانوية!
أما خريجو الثانويات بمختلف فروعها المسجلون بمكتب التشغيل فبلغ (54004) بنسبة قدرها 24,1 % من إجمالي المسجلين، في حين أن من حصل منهم على عمل هم (2197) أي بنسبة 4 % من إجمالي حملة الشهادة الثانوية المسجلين. ونلاحظ هنا أن معظم من تم تعيينهم هم عن طريق الترشيح عبر مكتب التشغيل بنسبة 61,2 % في حين انخفض عدد المعينين استثناء بسبب قلة الثانويات الملزمة بالتعيين من الذين تم تعيينهم ويكون عدد العاطلين عن العمل الذين ينتظرون دورهم /51807/ أي بنسبة 96%.
4٫5 % حصة الإعدادية بالوظائف
بالنسبة لحملة الشهادة الإعدادية فقد بلغ عدد المسجلين في فئة التعليم الأساسي والإعدادية /31615/ في حين تم تعيين 1419 منهم أي بنسبة 4,5% وتوزع المعينون بين طريقة الاستثناء أي الملزم 31% والنسبة الباقية /69%/ عن طريقة الترشيح عبر مكتب التشغيل، في حين بلغت نسبة المسجلين بهذه الفئة بالمقارنة مع إجمالي الفئات الأخرى 14% ما يكشف أن /30196/ مسجلاً لم يحصلوا على فرصة عمل، أي أن نسبة غير المستفيدين من هذه الفئة يبلغ 95,5%.
حتى المهنيون.. حظوظهم سيئة!!
الغريب أن أعداد العاطلين عن العمل من أصحاب المهن كبيرة، وحظوظهم نادرة.
فقد بلغ عدد خريجي التعليم المهني المسجلين بمكتب التشغيل(4507) تم تعيين (608) فقط.
أي بنسبة 13,5% وهذه صدمة أيضاً لأنه يفترض استيعاب أصحاب هذه المهن، خاصة أن معظم الجهات العامة بالمحافظة تشكو من نقص بأصحاب المهن، حيث تعمد إلى التعاقد أو الاستعانة بالقطاع الخاص لسد احتياجاتها وتصليح آلياتها أو تنفيذ أعمال صيانة أبنيتها مثلاً من دهان وصحية وكهرباء وأعمال اللحام والتكييف والتبريد والعزل وغيرها عبر تعهيدها للقطاع الخاص، ما يكلف الخزينة مبالغ كبيرة ويثير الكثير من الشكوك والتساؤلات: لماذا لا يتم ذلك بكوادرها أو عبر استيعاب لأصحاب المهن من خلال إقامة ورشة صيانة مركزية أو فرعية في حين ينتظر /3988/ مهنياً فرصة الحصول على عمل.
7 % توظيف السائقين بالقطاع العام
بلغ عدد السائقين المسجلين بمكتب التشغيل /17629/ سائقاً يشكلون نسبة (8 %) من إجمالي المسجلين بالفئات الأخرى.
فقد تم تعيين (1250) منهم، أي بنسبة (7%) فقط، وهذا مؤشر أيضاً على عدم استيعابهم بسوق العمل، في حين يمكن توظيف هؤلاء السائقين بالبلديات ومشاريع القطاع العام وتطوير وسائل النقل العامة.
94٫2 % من العمال ينتظرون
يستحوذ عدد العمال العاديين على الحصة الأكبر من المسجلين مقارنة بكل الفئات الأخرى، حيث بلغ عددهم /59055/ عاملاً وبنسبة (26,5%) من إجمالي عدد المسجلين، في حين تم تعيين (3450) عاملاً منهم أي بنسبة /5,8%/ منهم فقط، بينما يقف على لائحة الدور أو الانتظار لا فرق ما دامت نسبة التعيين متدنية جداً (55605) عمال بنسبة (94,2%).
لنا رأي
إن هذه الإحصائية تشير إلى ارتفاع نسبة البطالة على مستوى المحافظة، حيث تصل إلى (90,4%) مع الأخذ بعين الاعتبار أنها تشمل إحصائيات مديرية الشؤون الاجتماعية بحماة المسجلين للعمل بالقطاع العام دون الخاص لعدم وجود إحصائية دقيقة بهذا المجال، وكذلك لتهرب القطاع الخاص من تسجيل العاملين عنده بالتأمينات الاجتماعية، والإقبال على القطاع العام بوصفه الملاذ الآمن والاستقرار للعامل.
إن المدة الزمنية للإحصائيات المذكورة هي حصيلة (17) عاماً أي أنها قبل الأزمة وخلالها، وهي تكشف ضعف جهات التخطيط والإدارات الاقتصادية الموجودة بمحافظة حماة في الاستفادة من طاقة العمل (الثروة البشرية) من كوادر عليا ومهنيين وعمال، سواء إنتاجاً أم استثماراً أم خدمات، وأن عملها لا يتعدى الروتين والاستعراض عند الحديث عن طرح خارطة استثمارية وخلق فرص عمل.
وتتحمل الجهات الإدارية بالمحافظة المسؤولية الأكبر كون الجهات العليا بالعاصمة تضع خططها الاستثمارية وفقاً لما تقدمه المحافظات من دراسات ومشاريع، وليس أدل على ذلك من أنه أثناء الزيارة الأولى لرئيس مجلس الوزراء إلى محافظة حماة وجولته في مدينتي مصياف والسلمية سأل مجلسي المدينتين عن المشاريع الاستثمارية كي يتم تمويلها من قبل الحكومة والدراسات الاقتصادية والفنية.. لكن الجواب أتى أنه لا توجد إلا طلبات خدمية ولم يقدموا أي فكرة مشروع استثماري أو حتى دراسة عنه!!.
وكذلك حال المحافظة.. ما يؤكد تقصير الإدارات المعنية بالمحافظة وغياب الرؤية الاستثمارية.
وإدارة المؤسسات الإنتاجية والاقتصادية بالمحافظة ليست أحسن حالاً أيضاً فخلال زيارة رئيس مجلس الوزراء لمبقرة جب رملة كان أقصى طلب لإدارة مؤسسة المباقر مبالغ لا تتعدى مئة مليون ليرة، لكن رئيس الحكومة قال أقيموا المشاريع لدعم الزراعة والصناعة والثروة الحيوانية ونحن جاهزون للتمويل، وفعلاً وافق على تمويل مبقرة جب رملة بمبلغ 1,640 مليار ليرة لإقامة معامل وزيادة الثروة الحيوانية.
والمؤسف أن عدداً كبيراً من الوحدات الإدارية بمحافظة حماة بدلاً من استثمار منشآتها وآلياتها وعقاراتها وتمويل نفسها بنفسها لجأت إلى استدانة الرواتب من الحكومة!!.
الحكاية تطول، وتقصير المحافظة وإدارتها للأسف دفع المواطنون ثمنه غالياً سنوات من عمرهم دون عمل وبطالة غير مسبوقة وهدر بالثروة البشرية.