لا ينصرف مفهوم النخبة ابتداء إلى النخب الثقافية والفكرية فقط، فالمفهوم أوسع من ذلك بكثير لأنه يستوعب كل فعاليات المجتمع وأوساطه الثقافية والفنية والعلمية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والمهنية وغيرها، والمقصود بالنخب هنا كل حالات الإبداع والتميز بوصفها العقل الوطني المنتج، والذي يحظى باعتراف الوسط الذي يعمل فيه بتميزه وتأثيره في حياته عموماً ووعيه على وجه الخصوص.
وتلعب النخب بمختلف مستوياتها واختصاصاتها دوراً مهماً في تطوير المجتمع لجهة أنها تتمتع بصفة الإبداع والابتكار وطرح الأفكار التي تساهم في إحداث تحول إيجابي في حياة الناس وترتقي بوعيهم وسلوكهم العام ما يدفع باتجاه عملية تنمية شاملة على كافة مستويات الحياة وطرق العيش فالنخب العلمية مثلاً تساهم في ارتقاء كل أشكال الإنتاج من خلال ابتكاراتها وإبداعاتها في مجال عملها وكذلك هو حال النخب الفنية والثقافية التي ترتقي بالذوق العام من خلال الغناء والمسرح والموسيقا والسينما والدراما وغيرها من ألوان الفنون وأشكالها والتي تساهم إلى حد كبير في تشكيل ثقافة التفاؤل والمحبة في المجتمع إضافة إلى تعزيزها للروح الوطنية وتشكيل حالة من التفاعل والتناغم المجتمعي.
إن صفة النخبة والنخب على وجه العموم لا تأتي من فراغ فلتلك الصفة شروطها وعناصرها يأتي في مقدمتها أن تكون متميزة في إبداعها وابتكارها واختصاصها وقادرة على طرح الأفكار المتجددة والفاعلة والمؤثرة في بيئتها بحيث يقر ويعترف المجتمع بها بوصفها حاملة للتغيير وقادرة على إحداثه، إضافة إلى أن سلوكها ينسجم ويتفق مع ما تطرحه من أفكار وهنا تتجه الإشارة إلى النخب السياسية والثقافية التي يعيش المجتمع سلوكها ويراقبه ويحاكمه ليرى مدى مصداقيتها في طرحها لخطابها وتماهيها مع مضامينه وفحواه وشروطها مضافا إليه قدرتها على تحديد المشكلات وحلها لجهة أنها تنتج المعايير وتبدع وتحوز على اعتراف المجتمع بل وتتجاوزه بوعيها وبوصفها تنتج وعياً متقدماً.
وعلى الرغم من اتساع مساحة تعريف النخب وفضائها التخصصي إلا أن الدور الأهم الذي يعول عليه في إحداث عملية التغيير الحقيقي في المجتمع يتمثل في النخب الفكرية والثقافية لأنها تمثل واقعياً عقل المجتمع المنتج والقادر على تغذية منابع الإبداع الأخرى بأشكالها المختلفة تلك التي تشكل الوعي العام وتحدد مواقف الأفراد ونظرتهم للحياة والآخر المختلف على وجه العموم إصافة إلى أن الثقافة والمنتج الثقافي هو الأساس في تشكيل مصفوفة القيم العامة وسلم أولوياتها وأهميتها من منظور الجمهور بتشكيلاته وبيئاته المختلفة.
وإذا كان الحديث ينصرف إلى دور النخب في تغيير وتطوير المجتمع نحو الأفضل فهذ لا يعني أنها تطلع بهذا الدور في كل الظروف والبيئات، فثمة نخب تقوم بدور سلبي في المجتمع عندما تتحول إلى أداة تبريرية أو تسويقية للأنظمة الفاسدة أو تمارس دوراً تضليلياً في المجتمع، أو تعمل على تكريس ثقافة رجعية وظلامية أو تبريرية للقوى المستبدة بحيث تزين القبيح أو تقبح الجميل مستثمرة ضعف الوعي العام وحالات الجهل التي تجتاح بعض المجتمعات فيما يسمى العالم الثالث أو الدول النامية ولا سيما في ظل هيمنة وسائل الإعلام على كافة منابر الخطاب الأخرى ودورها الكبير واللافت في تشكيل الرأي العام الوطني في حين أن الدور الوظيفي والتاريخي لها هو الانحياز لقضايا الجماهير الفقيرة أو المفقرة وليس التضليل والتسويق والقيام بما يمكن تسميته تنويماً مغناطيسياً جماعياً.
د.خلف علي المفتاح
khalaf.almuftah@gmail.com
التاريخ: الأثنين 10-12-2018
رقم العدد : 16856
السابق
التالي