ما الذي تعنيه أن تنشر مجلة ألمانية رصينة (ديرشبيغل) اعتذاراً على صدر صفحتها الأولى تعترف فيه أنها نشرت معلومات كاذبة على صفحاتها الورقية وموقعها الإلكتروني، وهي الوسيلة الإعلامية الأكثر انتشاراً وحضوراً وثقة في ألمانيا؟ وماذا يفيد الشعب الألماني والأوروبي اعتراف كهذا يستجيب لشعار المجلة (انقل المعلومة كما هي)، ذلك الشعار الذي وضعه الصحفي رادولف أوغستين مؤسس المجلة، ليصدر الاعتذار الاعتراف تحت عنوان الشعار الأساس ذاته؟
في الداخل الألماني لن يقف الأمر عند حدود حادث الاعتذار ذاته والقبول به والعفو عن هذا السلوك اللامهني، فالمجلة المحسوبة على الجانب الحكومي بدأت تتعرض لحملة هجومية من أحزاب معارضة ومنظمات حقوقية وجمعيات متطرفة تتخذ من هذا الاعتراف القسري دليلاً على الكذب الرسمي والسلوك الحكومي والخلل الحاصل في إدارات التحرير المحسوبة على الحكومة والحزب الحاكم وعدم القدرة على التحقق من المعلومة التي تعهدت المجلة بتقديمها كما هي.
وستحمل الأيام القليلة القادمة تطورات تفتح ملفات التضليل والأكاذيب التي اتبعتها وسائل إعلامية حكومية أوروبية في العدوان على سورية، فالصحفي كلاس ريلوتيوس اعترف بأنه لفق قصصاً وروايات كاذبة زادت عن اثنتي عشرة رواية ولقاءات مع شخصيات سورية تتحدث عن أكذوبة الربيع العربي المزعوم والثورة الكاذبة متحدثاً عن أيتام ومشردين يحتاجون دعماً وتأييداً من جانب الحكومات الأوروبية والألمانية بخاصة، الأمر الذي انعكس في مواقف الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني في ألمانيا وغيرها.
والأمر الذي سيزيد تعقيد حالة الكذب الإعلامي الحملة الإعلانية التي قادتها (دير شبيغل) بادعائها أن مراسلاً من كادرها استطاع الوصول من خلال تحقيقات استقصائية لمعلومات لم تستطع وسائل إعلام غيرها من الوصول إليها، إذ حصل ريلوتيوس على جائزة مراسل العام في أوائل كانون الأول الجاري إضافة لجوائز سابقة للغاية نفسها.
قد تكون هذه الحادثة الأولى التي يتم الاعتراف بها لكنها ستكون فاتحة لحوادث مماثلة تجبر مؤسسات إعلامية كبرى على الاعتراف بما اقترفت من أكاذيب بصورة تشابه حالة الكشف عن فضيحة دير شبيغل التي كشفها صحفي تعاون مع ريلوتيوس في تحقيق استقصائي عن اللاجئين على الحدود الأميركية المكسيكية نشر خلالها معلومات ملفقة.
ولن يمضي زمن طويل حتى يبدأ مسلسل الاعتذارات من الشعب السوري والاعتراف بكل ما ارتكبت الحكومات الأوروبية من اعتداءات على سورية وشعبها.
مصطفى المقداد
التاريخ: الأثنين 24-12-2018
رقم العدد : 16868

السابق
التالي