علي كنعان يعتصر الحنظل رحيقاً: الإبـــــداع ابــــــــن الحيـــــاة وليـــــــس تهويمــــــــات عبثيـــــة..
ماذا لو أنك لم تقرأ هذا الحراك الفكري والثقافي الذي كان ذات يوم, بل السؤال الأكثر منطقية: ماذا كنا سنخسر لو أننا لم نطلع على تجارب الثراء الفكري والحياة التي خاضها مبدعون سوريون؟ أليس الأمر جللا ؟
بكل تأكيد سيكون كذلك أقول ذلك حتى لايبدو السؤال غير منطقي, أو انه خارج السياق الذي يحتفي بكل مبدع, سير كتاب ومفكرين وعظماء, من كل لون ومشرب من مشارب الابداع والعلم, شخصيا اشعر أنها تحمل طاقات العطاء, وتختزن تجارب ثرية لابد من الوقوف على ما فيها, حلوها ومرها,
ومن يكتبها ويدونها بنفسه, جدير بأن يقدم لنا ما يراه مناسبا ليكون قدوة, بين يدي كتاب مهم جدا حمل عنوان: الحنظل والرحيق, للشاعر الكبير علي كنعان, صدر الكتاب عن دار التكوين بدمشق لمديرها وصاحبها الشاعر سامي أحمد.
الحنظل والرحيق, يالها من جدلية تختزل كل شيء, لكنها تغريك أن تبحر مع الشاعر الذي اختار محطات عريضة من حياته وتجاربه وقدمها لنا مخمرة ليس بالحنظل, إنما معتقة بخمرة الإبداع وقد تجاوزت نصف القرن, تجربة فيها الحلو والمر, ولولا المر ما كان الحلو, ليست عنبا حصرما, بل عناقيد أنضجتها شمس الفعل والعمل والابداع, لم يقدما على أنها سيرة, لكنها كذلك, تمسك بالكتاب لتمضي إلى النهاية مشدودا بحيوات الابداع, يقدمها علي كنعان من خلال جو عام, مجتمع سوري بهي, على الرغم من الفقر والألم, يحدو نحو الغد بروح الثقة, من البادية إلى الشام, إلى بيروت إلى كل مكان, إلى العالم كله.
الأنوثة كون جمالي
علي كنعان الشاعر والاعلامي والناقد يقدم بسردة حساب سريعة ما نظن أنه عسل وليس حنظلا,صحيح أنه قال: إنها رؤى وهواجس في الشعر والحياة,وأي شيء أنبل من الهاجس الابداعي, لم يغرد منفردا, ولم تكن الأنا متضخمة حد الانفجار, بل إنه يؤرخ فنيا لحقبة زمنية كانت ومازالت حافلة بالابداع, يضيء على تجارب لم تكن عابرة, بل أسست لما نراه ونلمسه من إبداع مازال متقدا, لايمكن لأي جديد كما نراه أن ينافسه, لأنه إبداع مبني على الفعل وخصب الحياة, إبداع مفتوح على رياح الأرض قاطبة, يأخذ جمالها ونسائمها, ويمضي ليعطر نداه بعبق مختزل من ورد يومياته وفعله.
(في عوالم الجمال يلتقط كل مفردة ويعيدها خلقا بهيا, نديا, اقرأ ما يقوله عن المرأة: واحتفاء بنعمة الأنوثة وماكرمها ولابد من التأكيد هنا أن معيار الجمال في قاموسي (علي كنعان) يضع الصوت بعذوبة جرسه وتناغم إيقاعه الشجي في المقام الأول, ثم تشرق العينان الضاحكتان في فضاء المحبة – ويضيف في مكان آخر قائلا: وفي ختام الوجد والاحتفاء بجلال الانوثة وأهميتها عبر التحامها الكوني بتوءمها الذكوري, فطرة وإبداعا فنيا وتكاملا, أود أن اشير أن ما يدعى بالانفجار العظيم الذي بدأ به الكون كما يقال وفي تقديري أنه حدث بلقاء عنصر الأنوثة بعنصر الذكورة, السلب والايجاب المبثوثين في جوهر أمنا العظمى.
وحين يفتح دفاتر الوقائع الكبرى, يتحدث محللا ومفندا ما جرى, ويرى أن المتسكعين على هامش الثقافة العربية تخلو عن سكوتهم المريب, وراحوا يستمتعون بالسخرية من نشيد أمجاد يا عرب, لقد تخلوا عن الالتزام بالحياة وقضايا المجتمع,وكما أن الارض لاتموت كذلك قضايانا العادلة: لكن الارض لا تموت مادام اديمها الحي يختلط بأشلاء الراحلين وجهود المكافحين من الاحياء وعرقهم واحلامهم, كما أن السماء بشمسها وامطارها ورياحها تحتضن ابنتها الارضية وتمدها بالدفء والماء والضياء والخصوبة لتبقى عروسا مجلوة بالخضرة والنماء حافلة بحلاوة الثمر وسر البقاء المتجدد في لباب البذرة الولود,وبرؤية الشاعر يعري ما يجري في المنطقة تحت اسم ربيع عربي, فهو ليس إلا مخططا للتجزئة والتدمير والقتل والعمل على تصفية القضية الفلسطينية, وهذا ما اكدته الاحداث والوقائع,ومن اللافت أن الشاعر لا يتنكر لتجربته الاعلامية التي استنزفته كثيرا, يتحدث عن صحيفتي الثورة وتشرين وعن العمل بالاعلام وبكل الحب والحفاوة, ومن ثم يعود ليرى دور جامعة دمشق في الحداثة التي ازدهرت وكانت صفحة مورقة وجديدة, وكم كان الكلام مختزلا ومعبرا حين خلص الى القول:رجال الدين يتجهون الى الماضي, اما المبدعون فهم يرون المستقبل ويمضون نحوه.
علي كنعان في هواجسه يقطر أيامه لتكون أكثر عذوبة وفعلا, يفتح صفحاته, يقرأ الوطن, يحتفي به, بكل ما يمضي بنا إلى الغد الأنقى والاجمل, ينثر وروده تجربة مضيئة, يحتفي بصفحات منها, ويبقى الوطن عنوانه, لم يفقد البوصلة, ولم تغره بهارج العالم كله, مازال مشدودا إلى الأرض الندية إلى الهزة, قريتها, إلى الشام, إلى جامعة دمشق, إلى كل حرف كان من الناس وللناس.. شكرا للشاعر علي كنعان, وللناشر الشاعر سامي أحمد.
دائرة الثقافة
التاريخ: الخميس 3-1-2019
الرقم: 16875