مع اقتراب النصر النهائي على الإرهاب وداعميه، تلعب واشنطن بأوراقها الإرهابية الأخيرة، وكعادتها تلجأ في كل مرة تتعثر فيها خططها الاستعمارية، لإعادة إنتاج أذرعها الإرهابية مجددا، رغم عجز تلك الأوراق عن تحقيق أجندات واشنطن، والمبازرة اليوم بقرار انسحاب القوات الأميركية المحتلة، والالتفاف المتعمد على ذاك القرار، تشير إلى أن أميركا ليست بوارد التخلي عن أدواتها الإرهابية، وداعش يمثل إحدى الركائز الأساسية التي تستند عليها السياسة الأميركية اليوم.
أميركا وبإعلان قرار انسحابها المؤجل، تعمد لاستراتيجية جديدة تقوم على إعادة النفخ بروح داعش وإحيائه في شرق الفرات، وثمة تنسيق واضح مع نظام أردوغان بهذا الشأن، حسب العديد من التقارير الإعلامية والاستخباراتية، التي أشارت إلى أن هدف واشنطن مساعدة التنظيم على التمدد مجددا على طول الحدود السورية العراقية لقطع عملية التواصل بين البلدين، وهذا ما يفسره أيضا تأكيد مسؤول كبير في إدارة ترامب أن واشنطن لن تسحب قواتها المحتلة من التنف، وهذا يعني أن أميركا ورغم فشل مشروعها تسعى للتعويض بمكاسب سياسية، عبر الاحتفاظ بالورقة الداعشية كوسيلة ضغط وابتزاز.
شركاء واشنطن في الإرهاب لا يزالون تحت تأثير صدمة قرار الانسحاب الأميركي، خاصة وأنهم يعولون على الحصول على بعض المكاسب مما يخلفها الفتات الأميركي لهم، فالكثير من الدول المشاركة في «التحالف الأميركي» الذي يضاعف مجازره بحق المدنيين اليوم، مستاؤون من القرار الأميركي، ما حدا بالبيت الأبيض إلى طمأنة أولئك الشركاء بأن أميركا لا تزال تراهن على العكاز الإرهابي، وأنها بصدد عقد مؤتمر لدول «التحالف» في السابع من شباط القادم لتدوير زوايا الانسحاب المزعوم، وبالطبع سيتم خلال المؤتمر تقديم الوعود لشركاء الإرهاب بالحصول على «المكافآت» المناسبة لكل دولة، حسب مشاركتها بدعم الإرهاب تحت مسمى «محاربة داعش»، ولا سيما أن التحالف سيء الصيت لم يحارب يوما التنظيم الإرهابي، وإنما كان يوجه نيران حقده باتجاه المدنيين لدفعهم على ترك منازلهم وإخلاء الساحة لداعش وغيره من التنظيمات الإرهابية التي تدور في فلكه.
نظام أردوغان يلعب دائما على الوتر الأميركي، رغم ادعائه في بعض الأحيان أنه على خلاف معه، فيصعد من تهديده بشن عدوان جديد شرق الفرات، والهدف ليس «قسد» كما يدعي، وإنما الإشراف على عملية تمدد داعش كما يريد الأميركي، وفي الوقت ذاته يعطي إرهابييه في ادلب الوقت الكافي لتعزيز مواقعهم وتحصيناتهم لمهاجمة مواقع الجيش العربي السوري، بعد أن يعلن رسميا التملص من اتفاق سوتشي، الذي لم ينفذ حتى اليوم أي التزام تجاه مضامين هذا الاتفاق.
أقطاب منظومة العدوان يتجاهلون عدد المرات التي فشلت فيها تنظيماتهم الإرهابية في تحقيق أهدافهم العدوانية، ويصارعون من أجل منع أي حل سياسي، ولكنهم سيكونون مجبرين قريبا على التسليم بالأمر الواقع لجهة انتصار الدولة السورية، فتنظيماتهم الإرهابية التي تنهش بعضها بعضاً اليوم لن تدوم طويلاً، والمهل الزمنية التي تعطيها الدولة السورية للإرهابيين وداعميهم حقنا للدماء لن تكون إلى ما لا نهاية، فاستعادة كل شبر من يد الإرهاب، ومن يد كل قوة غازية محتلة، قرار سوري لا رجعة عنه.
كتب ناصر منذر
التاريخ: الأحد 6-1-2019
الرقم: 16877