في كل موسم من مواسم الحمضيات أسمع عن عقود لتصدير الحمضيات السورية الفائضة عن الحاجة.. وفي كل مرة أتمنى أن يصدق الخبر وأن أرى حافلات الحمضيات تخرج من بوابة المرفأ إلى البلدان الصديقة مثل روسيا التي كثر الحديث عن اتفاقياتها وعقودها المبرمة لاستقبال البرتقال السوري الذي يتفردّ بطعمه وحلاوته ولونه الأرجواني.
هذا الخبر وغيره من أخبار الانفراج الاقتصادي الزراعي أقرأ عنه منذ عقود.
ومنذ عقود وأنا أرى الواقع غير ذلك، بل إن واقع محصول الحمضيات أسوأ بكثير مما يتصوره المواطن القابع في المدن والذي لا يعرف شيئاً عن معاناة مزارع الحمضيات ولا عن تكاليف شجرة الحمضيات حتى تصل ثمارها إلى المستهلك الذي يدفع نصف سعرها للوسيط النهم الذي يتحكم بالعرض والطلب.
والذي لا يعرفه المواطن العادي اليوم هو أن مزارع الحمضيات يقطع أشجاره.. وإذا لم يقطعها أويحاول استنباط زراعة جديدة فهو قد تركها تسقط على الأرض وتذوب في التربة لأن الأسعار سيئة ولا تكفي لأجور القطاف والنقل والعبوات البلاستيكية التي هي بحد ذاتها جريمة بيئية خطيرة.
للعلم.. أكتب عن شجرة الحمضيات منذ سنوات طويلة.. وللعلم يكتب المسؤولون منذ سنوات طويلة أيضاً ولكن لا هم نفذوا وعودهم ولا أنا توقفت عن الكتابة.
هكذا يتبادل المواطن الحلم مع المسؤول.. ولكن ماذا يهم هذا المسؤول الذي يرسل أولاده إلى جامعات غربية وبلدان متحضرة بينما أولاد المزارع يغوصون في الوحل والبرد ويدوسون على ركام الحلم وهم يرتجفون من صقيع الوعود.
سابقاً كتبت لتتوقف مشاتل الحمضيات العامة والخاصة.. ولنتوقف عن زراعة هذه الشجرة المباركة حتى يتم التقنين للمحصول وعدم هدره وضياعه في الوقت الذي لا يتاح للمواطن إلا بأسعار عالية نتيجة السمسرة والمضاربات وسوء التدبير وانعدام مصانع العصير.
وسابقاً كتبت.. لنمنع دخول الحمضيات والخضار المضاربة على خضارنا وفواكهنا إلى السوق السورية من الدول المجاورة.. فنحن لسنا بحاجة ومواردنا تكفي وتفيض… فليقل لي قائل.. ما معنى أن يدخل البرتقال اللبناني أو المصري إلى دمشق والمدن السورية الأخرى بينما الساحل يرمي بمحصول البرتقال على الأرض ولا يجد من يشتريه؟
وما معنى أن يكون سعر البرتقال المستورد أضعاف سعر البرتقال السوري.. من يأخذ الفرق؟
هناك شيء غامض في الموضوع.. هل هي صفقة تجار وتجارة (دولارية) أم صفقة تدمير للزراعة السورية وللمزارع السوري ودفعه لترك أرضه والهجرة خارجها أو لبيعها وتحويلها إلى عقارات مقسمة كعلب إسمنتية ليس لها شكل ولا مضمون سوى تخريب الأرض الزراعية وتخريب البيئة والقضاء على الغطاء النباتي.؟
كانت سورية وما زالت بلداً زراعياً وكانت متفوقة في مجال الحمضيات.. فما الذي يجري؟ ولماذا في كل عام ومنذ عشرات السنين يترك مزارع البرتقال لقدره ولرأفة الظروف الجوية التي تجود بأمطارها أو صقيعها وتخرب المحاصيل بشكل شبه كامل أحياناً؟
ليقم المسؤولون بدور ما يفيد في تحسين وضع المزارع أو انتقاله إلى زراعات أخرى.. وإقامة معامل التعليب والعصير وغير ذلك من الصناعات المرافقة لزراعة الحمضيات أم أن استيراد العصائر اللبنانية والخليجية أكثر ربحاً وألذ طعماً مع المواد الحافظة والسكرين والملونات الخطيرة؟
للأسف الشديد.. أنا أكتب.. والمزارع يستغيث.. والمسؤول (مش هون) وهو من زمان (مش هون.. ولا هناك) وكل الأمل أن تأتي الحلول من القدر.. فنحن بالنهاية شعوب تؤمن بالقدر لا بالعلم والعمل.
أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 9-1-2019
رقم العدد : 16880