عادل الفريجات.. في نقده للسرد العربي.. يبحـــــــــر في عوالمهـــــــــــــــم الإبداعيــــــــــــة
يتساءل المرء في أحيان كثيرة، عندما يفرغ من قراءة رواية ما: مانصيب التخييل وما نصيب الحقيقة منها، وأيهما الطاغي على الآخر فيها، ثم كيف تمكن الروائي أن يضع توليفة سائغة مابين الخيال والواقع، أو مابين فكرة مجردة ومآل محقق، وما المرمى الذي يستهدفه الكاتب وما رسالته، وماهو اتجاه بوصلته في جزئيات روايته المتعددة، ومامدى الإمتاع والجذب اللذين يعدان شرطين هامين من شروط نجاح أي أثر سردي أو أي عمل فني؟
الكاتب د.عادل الفريجات اجتهد أن يكمل نقصا في مشهد النقد الروائي القائم ليشكل لبنة في صرح الدراسات السردية المعاصرة التي تسعى لمواكبة الإبداع العربي في مسيرته الطويلة والعميقة والمتجددة في كتابه «في نقد السرد العربي» الذي يضم بين دفتيه دراسات لواحد وعشرين أثرا فنيا سرديا عربيا، كتبها روائيون من سورية ولبنان ومصر والجزائر والأردن وفلسطين والكويت والعراق.
والمتابع لهذه الدراسات سيكتشف أنها تمثل هواجس متباينة لسبعة عشر روائيا عربيا وطرائقهم المجترحة في تناول موضوعاتهم، وبناء شخصيات رواياتهم وبث الرؤى والأفكار والمعاني المجردة والمجسدة التي حفلت بها جهودهم السردية المحتفى بها في الكتاب.
والروائيون منهم أربعة من سورية «عبد الكريم ناصيف، فواز حداد، عيسى درويش، بديع حقي» عالجوا بسرودهم المدروسة وهي على التوالي «اعترافات سميراميس» التي تقف عند الفساد، و«جنود الله» تحكي غزو العراق، ورواية «أحلام منكسرة» تؤرخ للانفصال بين سورية ومصر، أما «الشجرة التي غرستها أمي» فهي سيرة ذاتية.
ومن لبنان قدم أمين معلوف تاريخ عائلته في محاولة تجمع بين سمات السرد وخصائص البحث العلمي التاريخي، ويصطنع أنطوان الدويهي لغزا باختفاء طوعي لحبيبة ثم راح يبحث عنها، أما روائيو مصر العربية فهم» نجيب محفوظ، صنع الله ابراهيم، علاء الأسواني، ومن فلسطين الروائي حسن حميد والناقد يوسف اليوسف.
وفي دراساته يسعى الكاتب الفريجات إلى الإحاطة بالرواية في غير جانب «العام الذي كتبت به ومايمثله بالنسبة للروائي، والدراسة التي ينتمي إليها وانعكاسها على منتوجه الأدبي، وفكرة الرواية ومضمونها وطريقة الكاتب في عرضه للشخصيات والأحداث، ويتوقف في دراسة تفصيلية لكل منها والتقنيات السردية التي استعان بها الروائي، ومن ثم تصنف الرواية ضمن بعض العناوين من مثل» دائرة الاتجاه الرمزي، الرواية التسجيلية، استثمار الترحال، السيرة الذاتية..».
ويتضح ذلك في عناوينه التي طرحها، الفساد روائيا في اعترافات سميراميس، المزاوجة بين العام والخاص في أحلام منكسرة، الوطن بين زمنين في يامريم، هاجس العدل والإنصاف في ساق البامبو، التمرد الأنثوي والمكان الآخر في ارج الجسد، كتابة الرواية وكتابة التاريخ في النبطي، حين يصبح القهر الفلسطيني رواية مدينة الله.
ويبدو أن الكاتب كان دقيقا جدا في اختيار رواياته موضوع الدراسة، فغالبيتها قد حظيت بجوائز هامة وكانت لها أصداؤها، واتبع في تقديم دراساته المنهجية العلمية في تسلسل الأفكار حتى لايستطيع القارىء مغادرة البحث حتى يصل إلى نهايته بأسلوب شائق ولغة تنساب في عذوبة ويسر ليقدم أفكاره التي تستقر في القلب قبل العقل، وذلك باختياره للشواهد التي تفي بالغرض وتؤدي مهمتها بالشكل الأمثل، يقول في حديثه عن رواية «سائق البامبو»:
لملم «سعود السنعوسي» أطراف روايته هذه المتناثرة مابين الكويت والفلبين، ناسجا منها لوحة متناغمة من الأحداث والوصف التحليلي والمفاجآت والصدف والوسائل والأحلام والأقوال المأثورة، باثا في ثناياها آلاما محبطة من جهة وآمالا محققة ومفرحة من جهة ثانية، معولا على رحلة فعودة، ثم رحلة ثم عودة، وهما رحلة جوزفين لتكون خادمة في الكويت، وعودتها مع وليدها عيسى إلى وطنها الأم..
الكتاب: في نقد السرد العربي، لمؤلفه د. عادل الفريجات، والناشر مؤسسة سوريانا للعام 2018، ويقع في 204 صفحة من القطع الكبير، وللكاتب مؤلفات عديدة نذكر منها، إضاءات في النقد العربي، مرايا الرواية، سحر الكلمات «قصص»، هواجس ناقد، ونوافذ على تراثنا الأدبي شعرا ونثرا.
فاتن أحمد دعبول
التاريخ: الخميس 10-1-2019
الرقم: 16881