في الحقيقة من المدهش جداً هذا التأخير – إن لم نقل التورّط – لبعض جهات القطاع العام في عدم تسديد تأمينات عمالها لمؤسسة التأمينات الاجتماعية، حتى وصلت كتلة الأموال المتأخرة عن السداد اليوم إلى 225 مليار ليرة سورية، ولا تزال هذه المؤسسة صامدة، لم تتخلّف ولا شهر عن تسديد رواتب المتقاعدين، ولكن ليس من السهل عليها الالتزام بهذا الاستمرار إن لم تبادر تلك الجهات العامة المتخلفة عن التسديد، بالتسديد.
والغريب أنّ هذه الجهات المتورّطة بالتأخير، لا تتوانى عن خصم مبالغ التأمينات من راتب كل عامل، والمفروض أن تتحوّل المبالغ المخصومة بشكلٍ تلقائي إلى حساب مؤسسة التأمينات الاجتماعية، ولكنها تخصم ولا تُحوّل.. فأين تذهب هذه الأموال..؟!!
مهما بلغت الحاجة والضرورة عند بعض المؤسسات والشركات، لتأجيل تحويل أموال التأمينات إلى مكانها، فهي في الواقع حاجة وضرورة لا يقبلها العقل، فهذا إجراء على المديين القريب والبعيد خطيئة اقتصادية، وخطيئة اجتماعية.. إن لم نقل جريمة، لأن هذا التأخير يُقوّض قدرة مؤسسة التأمينات الاجتماعية على استثمار فائض أموالها، وتنميتها، لتزيد بذلك من صلابة موقفها المالي، الذي من شأنه تشكيلُ عازلٍ قوي يمنع تعرّض أموال المتقاعدين للزعزعة، كما أنّ هذا التأخير يُهدّد – على المدى البعيد – الحياة الاجتماعية لشريحة واسعة من المواطنين، الذين قضوا عشرات السنين في خدمة البلد، وهم يعيشون اليوم على أمل استمرار هذا الراتب التقاعدي، فالكارثة عندهم ستكون كبيرة إن هم وصلوا إلى المكان الذي لا تستطيع فيه مؤسسة التأمينات الاجتماعية تسديد رواتبهم جراء هذا التأخير من المؤسسات لتسديد المبالغ المستحقة عليها، وهي تدرك جيداً أنها لو كانت جادّة – مثلاً – في مكافحة الفساد ضمن دهاليزها وفوق وتحت طاولاتها، لما كانت اضطرت يوماً لتأخير سداد تأمينات عمالها..!
على كل حال الشيء المُطمئن اليوم بهذا المنحى هو اليقظة الحكومية لتطويق هذا الأمر، والعمل جدياً لإنهاء الخطر الذي يُحيق بمؤسسة التأمينات الاجتماعية، التي وضعتها لجنة السياسات والبرامج الاقتصادية في حجرة العناية الحكومية الفائقة، وعبّر السيد رئيس مجلس الوزراء حول هذا الأمر بكلامٍ غير مسبوق، يثير الارتياح والاطمئنان بقوله بالأمس (إنّ الحكومة ترغب في أن تصبح مؤشرات مؤسسة التأمينات الاجتماعية في أحسن حال، لأن أداءها يعد أحد مؤشرات قوة البلد).
وهذا صحيح، فبالتأكيد البلد الذي يعجز عن أداء رواتب المتقاعدين لن يكون بلداً قوياً، ومن هنا علينا جميعاً أن نشدّ من أزر الحكومة بهذا الاتجاه، ونعيش حالة من الأمل والتفاؤل بتوجيه رئيس الحكومة بتشكيل لجان لحل مسالة ديون مؤسسة التأمينات المستحقة على القطاع العام، ولجانٍ أخرى لبحث مسألة استثمار موارد المؤسسة وإيجاد أفضل الصيغ التي تضمن تحقيق عائدات تتناسب مع إمكاناتها.
علي محمود جديد
التاريخ: الأثنين 14-1-2019
رقم العدد : 16884