فيما بدا وكأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد استعادة بعض شعارات حملته الانتخابية وخاصة ذلك الذي يقول (أميركا أولاً) عبر الانسحاب من سورية وأفغانستان والتقوقع داخلياً لتحسين صورته المهتزة واستكمال ولايته بأقل الأضرار، طار اثنان من (غربان) إدارته إلى الشرق الأوسط خلال الأيام الماضية (للتبشير) بأن بلادهم باقية في المنطقة، في محاولة لطمأنة بعض الحلفاء المرتعدين خوفاً من الانسحاب الأميركي من سورية، وخاصة الكيان الصهيوني دائم القلق والتوجس، وبعض مشيخات البترودولار التي تهب ثروات شعوبها لشرطي العالم على نية الحماية وصيانة العروش الآيلة للسقوط، وفي جديد (الغرابين) بولتون وبومبيو مخططات عدوانية تجاه إيران على نية إقامة تحالفات عسكرية جديدة تخدم هذا الغرض.
لا شك بأن أميركا وفية لنزعة الغطرسة والعدوان التي تشكل محوراً أساسياً في استراتيجيتها حول العالم، بحيث لا يمكن التخلي عنها وإن تعاقب رؤساء وتغيرت إدارات، فما يسمى (الدولة الأميركية العميقة) معنية بإبقاء العالم ضمن أجواء التصعيد والتوتر والفوضى، من أجل استثمار ذلك بالمزيد من الحروب والنزاعات التي تدر على الشركات الأميركية الكبرى مليارات الدولارات كل عام.
غير أن هذه السياسة ليست محكومة بالنجاح دائماً، وكما عانت من الفشل في مراحل سابقة ستواجه نفس المصير في المستقبل، لأن العالم يتغير بسرعة ولا يمكن تسييره بطريقة الإملاء والتهديد والترهيب التي تنتهجها واشنطن مع الكبار والصغار دون تمييز، والمستغرب حقاً كيف لا يتعلم الأميركيون من تجاربهم السابقة وقد أدت حروبهم السابقة إلى خسارات كبيرة لم يستطع الاقتصاد المجتمع الأميركيان تحمل تداعياتها الكارثية.
الجميع يعلم بأن إسرائيل مأزومة وتفتش عن التصعيد في المنطقة للخروج من عنق الزجاجة، فما بال المستعربين العرب متحمسون أكثر من اللازم للعدوان على إيران، فهل يملكون القدرة على تحمل نتائج عدوان كهذا، وهم الذين عجزوا عن تقليص نفوذ إيران المزعوم في اليمن..؟!
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأثنين 14-1-2019
رقم العدد : 16884