صالوا وجالوا ونزلوا إلى القاع، إلى أن أختلط الحابل بالنابل، والفأس وقع في رأس المواطن الذي يبدو أنه ما زال مكتوباً على جبينه وعليه أن يواجه بعصاه الخشبية سيوف وأتراس تجار السوق السوداء الفولاذية التي أتت ليس فقط على مادة الغاز المنزلي ومازوت التدفئة وإنما على كل ما هو سلعي وحياتي تقريباً، مروراً ووصولاً إلى ذيل قائمة المواد المدعومة حكومياً (زيوت ـ سمون ـ سكر ـ الدقيق التمويني ـ مياه معدنية..).
هذه جميعها بالنسبة للمواطن في كفة، أما في الكفة الأخرى والتي تتخوف منها جميع العائلات السورية فهي وصول بلِّ صفقات وألاعيب وممارسات حيتان الأسواق إلى ذقن عبوات حليب الأطفال التي لم تترك الدولة باباً إلا وحاولت من خلاله تمرير شحنة من المادة الطفولية بعيداً عن مقص العقوبات الاقتصادية الظالمة وعين الحظر الجائرة (التي ما زال المواطن يتصدر بنك أهدافها)، لسد فجوة النقص الحاصلة في الأسواق المحلية وتأمين قوت الأطفال الرضع وغذائهم ونموهم لأشهر ثلاثة قادمة.
رحلة بحث الحكومة مجتمعة عن شحنة حليب للأطفال أو عن ناقلة للنفط أو الغاز أو عن باخرة قمح..، لم تكن لتتم أو تنجز في يوم من أيام سنوات الحرب العجاف الثمان لولا الإصرار على تأمين مقوماتنا دولتنا وشعبنا للصمود في مثل هذه الظروف الصعبة التي نمر فيها ونعيشها جميعاً (حرب بنار ومن غير نار).
هذا كله يدفعنا جميعاً وفي مقدمتنا أجهزة الرقابة التموينية للدفاع (فعلياً لا قولياً) كل على طريقته الخاصة وبأدواته الخاصة والوقوف على قلب رجل واحد أمام طمع أصحاب الكروش والقروش في السوق السوداء الذين لن يترددوا -ولا سيما مع وصول 27500 صندوق حليب مؤخراً- ولو للحظة في تكرار محاولاتهم الهادفة إلى إدخال فيل جشعهم من ثقب إبرة أصحاب الدخل المحدود وأطفالهم الرضع الذين لا هم لهم ولا اهتمام حالياً إلا الحصول على علبة حليب غنية بفيتاميناتها ومعادنها لا بمعاناتها وشحها وأسعارها الكاوية اللاهبة.
عامر ياغي
التاريخ: الأثنين 14-1-2019
رقم العدد : 16884