تعرف الولايات المتحدة أكثر من غيرها، بأنها لا تمتلك استراتيجية طويلة الأمد للبقاء ليس في سورية وحسب، بل في المنطقة برمتها، ولكن المستثمر دونالد ترامب يريد أن يقنع العالم بما هو عكس ذلك، والدليل إزاحة الستار عن مسرحيته الجديدة مع « الطيب» أردوغان بعد أن «وهبه» حق التصرف بشمال البلاد وشرقها، وذلك بعد انسحابه من المناطق التي كانت قواته فيها، وإقامة ما يسمى بالمنطقة العازلة، طالما حلم فيها السلطان العثماني الواهم منذ بداية الحرب الإرهابية، وسال لعابه عليها كي يسرح مرتزقته فيها ويمرحون على هواهم، وكأن الأراضي السورية ساحة بلا أبواب أو أسوار، وليس هناك من يحمي ترابها.
التاجر الأميركي يواصل العبث بأمن المنطقة، ويخضعها لبازاراته السياسية والتجارية، ويتراقص على حبال النفاق بشأن قرار سحب قواته المحتلة، الذي على ما يبدو بات من الماضي، لعدم وجود رؤية واضحة بهذا الشأن، حيث إن المهلة التي حددها لاستكمال الانسحاب انقضى نصفها، ولم يسحب جنديا واحدا بعد، سوى بعض العتاد العسكري، ويعمل على طمأنة أدواته على الأرض، بإقامة ما يسمى «المنطقة الآمنة» لإيواء ما تبقى من إرهابيي داعش، ففترة انتهاء صلاحية التنظيم لم تنته بعد بالنسبة للأميركي.
أما الحالم التركي فيريد منّا أن نصدق بأنه قادر على إقامة مثل تلك «المنطقة»، وهو الهارب قبل نحو ثلاث سنوات من معارك كثيرة خاضها الجيش العربي السوري ضد عصاباته في حلب، ولم تتوافر لها الإمكانات المادية والمعنوية والبشرية، نتيجة مرابطة قواتنا المسلحة على جبهات كثيرة ومتعددة، ورغم ذلك ولّى فيها إرهابيوه الأدبار وذاقوا ويلات الهزائم، وهو ما أجبره على التكويع والالتفاف إلى تفاهمات آستنة وسوتشي، باحثاً عن رضا حلفاء سورية وخطب ودهم، و متفادياً أي مواجهة قد تحصل معهم، لأنه يعلم أكثر من غيره أن المعارك القادمة إن وقعت سوف تكون أكثر شراسة وحماسة وأدق تكتيكاً.
ما تريده أميركا في سورية والعراق وباقي دول المنطقة، إراحة أذن الكيان الصهيوني وتخفيف قلقه من قوى المقاومة، متجاهلة أنه كيان محتل ومعتد، وأطماعه لن تتوقف وهو مستمر بالتحريض والابتزاز لتحقيق غاياته، ويسعى لإقامة كيان مواز شرق سورية يتماهى مع إرادته، دون الاكتراث بمكوناته، حيث المهم أن يتلاءم مع مصالحه ويهدئ هواجسه المزعومة، هذا فضلاً عن مطامع واشنطن ذاتها، ورغبتها بالاستيلاء على جميع المقدرات، وجعلها تحت سيطرتها وفي خزائنها.
الجانبان التركي والأميركي ومن يحاول اللعب على حبالهما، لن يبلغوا أهدافهم، مهما جهّزا من سيناريوهات ومسرحيات، أو رسما من خطط، وبالتالي سوف تكون أي قوات غازية، سواء كانت تركية أم أميركية، أم للعصابات الإرهابية في مرمى الجيش العربي السوري الذي لن يرحمها، وبالنسبة لمن يحاول اللعب عليه عدم الوثوق بأي من الطرفين، لأن الأول لديه نياته المبيتة على سورية، والثاني يريد اللعب في ربع الساعة المتبقي، دون أن يعلم أنه في الرمق الأخير.
كتب حسين صقر
التاريخ: الجمعة 18-1-2019
الرقم: 16888