كثيرا ما نقف عند الأمثال والقيم التي نرددها اليوم, ولا نعرف من اين اتت وكيف, ولكننا على يقين أن أمثال الشعوب تتشابه, بل تكاد تتطابق, وهذا عائد لتشابه التجارب التي مرت بها الحضارات, وللتثاقف الذي كان تمازجا, أخذا وعطاء، فكان أن صهرت هذه الامثولات ببوتقة واحدة وتغير اللبوس اللغوي عند هذه الأمة او تلك, والعودة إلى هذه الامثولات استحضارا وقراءة وتحليلا, ليس خطأ بل من الضروري فعل ذلك.
أمثولات إيسوب, تأليف ايسوبو, ترجمها إلى العربية نبيل سلامة وصدرت ضمن المشروع الوطني للترجمة الذي تعمل عليه الهيئة العامة السورية للكتاب, أما ايسوبو فهو مؤلف أمثولات قديم ذائع الصيت, ووفقا لمعظم وجهات النظر فإنه يعود بأصوله إلى منطقة آسيا وكانت ملامحه بشعة, جسمه وحشي,اقرب الى الحيوان من الإنسان كشكل خارجي, وكان صغيرا شكلا, وغير متناسب, احول العينين, واحدب, وعلاوة على ذلك كان يتأتئ, استعبده اليونانيون وأتوا به إلى اثينا حيث خدم مواطنا غنيا, كان يمضي أيامه مع العبيد الآخرين الذين أساؤوا معاملته, وكانوا يتهمونه بالكثير من الأفعال التي لم يقم بها, وحين زاد الامر عن حده, استطاع بحكمة بارعة ان يظهرهم كاذبين امام سيدهم الذي دهش بذكائه وحكمته, لم يبق إيسوبو عند سيد واحد، بل بيع لاكثر من سيد وتنقل إلى اكثر من مكان, وفي كل مرة كان يتعرض للكثير من الأذى الجسدي والمعنوي, ولكنه بفطنته وقدرته على إظهار الحكمة يخرج بريئا مما تم إيقاعه به, أمثولات إيسوبو هذه ليست عادية, بل حملت الكثير من الحكمة التي لايمكن ان تظهر الا عن تجارب حياتية, وعن تأمل نابع من عقل متقد يعرف كيف يستفيد من كل معطيات الحياة.
من الحكايا التي تروى عن حكمته أن سيده الجديد كان يريد السفر, وعلى العبيد أن يحملوا الأغراض التي يجب نقلها, فكاد له العبيد الآخرون ان يحمل أكبر سلة فيها طعام السفر, لم يعارض أبدا بل عمل على حملها, وهو راض كل الرضى, وبعد عدة ايام من السفر كان وزنها قد نقص تماما, لأنهم يتناولون الطعام منها, حينذاك فطن السيد إلى حكمته, ومع كل ما كان يقدمه من حكمة كان يباع من سيد لآخر.
وفي نهاية المطاف وصل إلى أن يكون سيدا, بل حاكما لأحد المدن التي بيع فيها, ووقعت الحرب مع مدينة اخرى, ولم تتوقف إلا بعد تم التوصل إلى تسليم إيسوبو للمدينة الأخرى التي حاربته,وتم الاعلان بعد ذلك عن فظاظته فقرروا قتله, وقد اضافوا شرا الى شر وانهضوا عليه شاهدا ما زائفا,,ادانوه بان يرموه من عل إلى اسفل, وبسرعة كبيرة, ومن دون ان يسمح له بالدفاع عن براءته, وضعوه على قمة صخرة عالية, ورموه من هناك إلى اسفل حيث تحطم إلى الف شلو, تأسفت المدن اليونانية كثيرا لموته, ولم يمض وقت طويل حتى دمرت دلفي انتقاما وفقا لما قيل, بسبب الظلم والخيانة.
ومن حكمته أن سيدا كان يخدم عنده, في حالة سكر، راهن انه قادر على ان يشرب البحر كله, وبعد صحوه اجتمع الذين راهنوه على الأمر, فوجد نفسه بحالة لا يحسد عليها, أصيب بالحزن, لكن إيسوبو قرر أن ينقذ سيده, قال له: الحل عندي, عليك أن تقول لهم إنك مستعد لشرب ماء البحر كله, ماء البحر, لكن أنهارا كثيرة تصب فيه, عليهم سدها, وقطعها عن البحر, وحين ذلك ستقوم على تنفيذ ما اتفقتم عليه.
بالوقت المناسب, قال لهم السيد ذلك وسط دهشة الحضور الذين وافقوه على طلبه, وتم خروجه من المأزق الذي وضع نفسه فيه بحالة السكر.
أمثولات إيسوبو كتاب مهم, جدير بالقراءة وأن يكون بكل مكتبة.
دائرة الثقافة
التاريخ: الخميس 24-1-2019
رقم العدد : 16893