ولعلها الأكثر إيغالاً في استكشاف خبايا النفس البشرية.. فالتسلّل الذي تمارسه لعبة الفن السابع على البعضِ من أشهر شخصيات العالم لا يقف عند إشباع غاية التلصص وشراهة المرء لاستكناه خبايا الآخر بغرض تقليص أهميته وبالتالي التفوّق عليه.. بل ينحاز نحو نوعٍ من الولوج إلى خفايا الذات الإنسانية وكيف لها أن تتكون من خليطٍ غريب الصفات والنوازع السلبية والإيجابية.. ويبقى الفرق في نسبة إيهما المتفوقة على الأخرى..
وحتى هذه غالباً لن يدركها سوى المرء ذاته.. فهو أكثر الخلق معرفة بنفسه..
لكن هل كان هذا هو حال الملكة «آن» التي اعتلت على عرش انكلترا بدايات القرن الثامن عشر..؟
هل كانت أكثر الناس معرفةً بنفسها..؟
أم إنها وقعت أسيرة جهل الذات ورمي حمل فهمها وقيادتها على غيرها..؟
في فيلم (المفضلة، The favourite) الذي نالت عنه الممثلة أوليفيا كولمن مؤدّيةً دور الملكة «آن» جائزة أفضل ممثلة في فيلم كوميدي ضمن الغولدن كلوب 2019، كل ما سيبقى عالقاً وفارقاً في مخيلتك أن السينما استطاعت بمهارة زرعة عدستها في الفناء الخلفي لأعمار شخصياتها.. وكما لو أن أحد المتسللين أو المتلصصين تمكّن من وضع كاميرا مخفية في غرفة الملكة.. المكان الذي تتفجّر فيه أعمق أسرارها..
هل كانت الكاميرا خارجية تصوّر الحدث/الفعل.. أم كانت نفسية تتعمق أكثر وأكثر في كشف أسرار الملكة..؟
العمل الذي أخرجه يورجوس لانتيموس، وجاء من بطولة أوليفيا كولمن وإلى جانبها كل من إيما ستون وريتشل وايز، يندرج تحت مسمّى السيرة الذاتية لكنها السيرة المتشعبة صوب الآخر.. علائقها وارتباطاتها بهذا الآخر الذي هو هنا في الفيلم كل من سارة دوقة مارلبورو، أدّت الدور ريتشل وايز، التي تستغل حاجة «آن» لها وتصبح فعلياً هي الحاكمة.. تسيّر شؤون المقاطعة وفق رغباتها ورؤاها.. وأيضاً الخادمة «أبيغيل»،أدّت الدور إيما ستون، التي مع قدومها تنقلب الأمور وتنفلت شيئاً فشيئاً من يدي سارة.. وبالتالي يُطلعنا الفيلم إلى جانب انشغاله الأعظم بالعوالم الخفية للملكة، يُطلعنا على الصراع بين سيدتين
«سارة، وأبيغيل» حفاظاً على وجودهما وبقاء كل منهما.. ولن تتوانى أيهما عن فعل أي شيء وصولاً لغايتهما.. هكذا ستقدّم الخادمة الوافدة جسدها للتقرب من الملكة.. وهنا يتكشّف لنا السرّ الأكبر الكامن بين الملكة «آن» وصديقتها المقربة «سارة».. فموضوعة الجسد كرابط محرّم بينهما، سرعان ما يفشل أمام الخادمة التي تتقن استخدامه لإبعاد «سارة» وإقصائها عن الملكة.. وهو ما كان نهايةً.
على هذا النحو، ندرك أن الفيلم لم يكتفِ بمجرد ممارسة لعبة التسلل إلى فناءٍ خلفيٍّ مخفيٍّ كامنٍ في كل بيت.. إنما أوغل في الولوج إلى أقبية النفس البشرية في أبشع صيغ تحصيل رغباتها وشهواتها.. وكأنما الصفقة التي كانت تتمّ بين الملكة و»سارة» أو «أبيغيل» كانت تتضمن مقايضة بينها وبين الاثنتين.
وبالطبع.. ثمة نوع من أداء طبع حضور الممثلات الثلاثة لاسيما «كولمن» التي أجادت في تقديم دور الملكة المهزومة، المريضة، والمخلخلة الثقة بنفسها، حركياً وحتى نفسياً.
lamisali25@yahoo.com
لميس علي
التاريخ: الجمعة 25-1-2019
الرقم: 16894