التحولات التي تطرأ على الأمكنة في زمن الحرب تحولها إلى رمز.. منارة.. حكاية صمود.. عشق.. أسطورة تلهب عواطف قاطنيها وتشعلها فكيف إذ كان المكان كفرية البلدة التي كانت في كل يوم تنسج قصة بطولية وحكاية حب متجددة.
من يتتبع نصوص المجموعة الشعرية للشاعر أحمد قادرة تحت عنوان (زورقي لا تغرقه القناصة) يجد معاناة ومكابدة بين معظمها تارة ترتفع وأخرى تتجاذب فيما بينها, وفي ضوء ذلك يبحر القارئ باحثا عن فضاءات جديدة تتواءم مع هواجسه, علّها توفر له متعة الإبحار وتسهل عليه الدخول إلى عوالم الشاعر.
في قصيدته الأولى (صهيل صامت) ينبش لنا من ذاكرته معاناة الأهالي, ضيق حالهم.. شظف العيش.. الرعب والخوف الذي يسكنهم يقول:
أتسلى.. أصفّ أقراص الجوع في براد صدئ
أرتب صناديق الخوف خلف متراس منخور
أجعل القش واقيا من النار
أصنع قبعة من زجاج لغزو الصحراء
أحنط أحلامي أترك رغباتي مغمورة بالجليد
قصيدة وصفية أسس الشاعر القادرة مداليلها على إحساسه العاطفي وامتلك القدرة على ابتكار الصورة المعبرة عن مظاهر الجوع والخوف, وعن الأحلام والأمل إلى أن يقول:
أتفرج على الماء
كيف يرتق نفسه بعد أن يثقبه الرصاص
أو تمزقه القذيفة.. أرسم كومة من الدقيق
وحجابا يحميها من الدود
وكرسيا لا يصل إليه الدمويون
وقناصا تعود إليه رصاصته
وحمارا لايتعب.. وجوالا يعمل على الطاقة القلبية
دفق عاطفي يظهر ولع الشاعر بالمكان في كل مايختزنه من دلالات وإيحاءات متعددة بغية تقديم صورة واقعية تبعث النبض وتحرك الكامن عند القارئ, يتجلى ذلك في ومضاته السريعة والمكثفة فيقول:
أتذكر كل شيء.. ما عدا الحرب
وأتمنى شيئا واحدا.. ألا تقصف ذاكرتي.
وفي ومضة أخرى يقول:
رأسي فارغ.. إلا من ألوان الصخب
مكنوز, بملح الخوف
مقطوع منذ ألف وأربعمئة عام.. لكنه لا ينام
رغم كل الألم الذي يجلبب صوره ورغم المكابدة إلا أن الشاعر يحاول زرع الأمل في نفوس قرائه ويدعوهم إلى الثبات والصمود وتحذيرهم من الهجرة يقول:
أرسم, على الركام بيتا, وديكا
ودربا إلى النبع ولا تهاجر.. لك وردة شرق الفرات
وعصفورة غربه.. وسمكة فيه, وغيمة فوقه
وزورقك الورقي, لا تغرقه القناصة.. فلا تهاجر
صدر للشاعر مجموعتان شعريتان وهذه هي المجموعة الشعرية الثالثة له والثانية التي تصدر له في تونس بعد (أتقرّى تجاعيد أحلامي).
علاء الدين محمد
التاريخ: الاثنين 28-1-2019
رقم العدد : 16895